حاشية المكاسب

الميرزا أبو الفضل النجم آبادي

حاشية المكاسب

المؤلف:

الميرزا أبو الفضل النجم آبادي


المحقق: مؤسسة آية الله العظمى البروجردي
الموضوع : الفقه
الناشر: الغفور ـ قم
المطبعة: قرآن كريم ـ قم
الطبعة: ١
ISBN: 964-92663-2-1
الصفحات: ٦٤٠

وأمّا في صورة ثبوت خيار المجلس ؛ فاستصحاب أصل بقاء الخيار بعد انقضاء المجلس ممّا لا وجه له ؛ لأنّ من أقسام القسم الثالث من استصحاب الكلّي وهو الشكّ في حدوث فرد يكون باقيا على فرض حدوثه حين حدوث الفرد المقطوع ارتفاعه ، وذلك لأنّ كلّ واحد من الخيارات حقّ غير الآخر ، فقبل انقضاء المجلس لو كان خيار الحيوان ثابتا يتحقق حقّان وخياران.

والشاهد على ذلك أنّه بإسقاط أحدهما لا يسقط الآخر ، وحينئذ نقول : إنّه نشك حين حدوث خيار المجلس أنّه هل حدث خيار آخر أم لا؟ فخيار المجلس المتيقّن حدوثه نقطع بزواله ، وأمّا خيار الحيوان ؛ فنشكّ في أصل حدوثه ، فكيف يستصحب الخيار الثابت سابقا؟

نعم ؛ يمكن استصحاب السلطنة على الفسخ الثابت في المجلس الّتي هي نتيجة الحقّ وأثر الخيار ؛ إذ السلطنة لا تعدّد فيها بتعدّد سببه ، ولا يختلف نوعها بتبدّل الخيار ، فلا مانع من استصحاب السلطنة على الفسخ.

وأمّا إذا كان الثمن حيوانا بالنسبة إلى من انتقل إليه الحيوان ؛ فيجري فيه ما تقدّم بعينه ، وأنّ مقتضى الأصل هو اللزوم فيما إذا لم يكن خيار المجلس في البين ، والأصل بقاء السلطنة فيما إذا كان خيار المجلس ، فالأصل العملي هنا أيضا يختلف حسب اختلاف ثبوت خيار المجلس وعدمه.

وأمّا العمومات ؛ فقد تمسّك الشيخ بمثل ذيل رواية الفضيل الواردة في خيار المجلس من قوله : «وإذا افترقا وجب البيع ، ولا خيار بعد الرضا» (١) ، فإنّه يدلّ بالعموم على لزوم البيع مطلقا بانقضاء المجلس خرج عنه المشتري إذا كان

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١٨ / ٦ الحديث ٢٣٠١٣.

٣٦١

المبيع حيوانا وبقي الباقي (١).

وفيه ؛ أنّ من الظاهر أنّ المراد من وجوب البيع ليس وجوبه من كلّ جهة حتّى نقول بخروج ما خرج ، بل المراد هو الوجوب من جهة خيار المجلس غيره ، فلا ينافي جوازه من جهة اخرى ، فلا يكون دليلا في المقام.

وقد يستدلّ بعموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) بالنسبة إلى ما ليس فيه خيار المجلس ، فيثبت في غيره بعدم القول بالفصل ، وأمّا فيما فيه خيار المجلس ؛ فلا يمكن التمسّك فيه لإحراز بقاء السلطنة على الفسخ بالاستصحاب.

فالتعميم لا يمكن إلّا بضمّ عدم القول بالفصل ، كما في كلام الشيخ قدس‌سره (٢) وتقريب الاستصحاب ما قد تقدّم عن الشيخ قدس‌سره من أنّ معنى (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) وجوب الوفاء بما هو مضمون العقد بترتيب آثاره مطلقا حتّى بعد الفسخ ، فيكشف عن عدم كون الفسخ مؤثّرا فيثبت اللزوم (٣).

ولكن قد تقدّم سابقا أيضا الإشكال بأنّه من قبيل التمسّك بالعامّ في الشبهة المصداقيّة ، وأنّه لا يعلم بقاء العقد ولا مضمونه بعد الفسخ حتّى يجب الوفاء به بترتيب أثره.

الدليل على الاختصاص

وأمّا الكلام في الأخبار الخاصّة الواردة في خصوص الباب ؛ فهي بين طوائف أربع :

__________________

(١) المكاسب : ٥ / ٨٦.

(٢) المكاسب : ٥ / ٨٦.

(٣) المكاسب : ٥ / ١٤ و ١٨ و ٢٢.

٣٦٢

الاولى ؛ ما يكون ظاهره اختصاص الخيار بالمشتري ، ولكن من حيث كون الحيوان هو المبيع ، أو هو الثمن ، أو كان الثمن والمبيع كلاهما حيوانا ، مطلق من حيث اللفظ.

مثل ما في صحيحة فضيل : قلت : ما الشرط في الحيوان؟

قال : «ثلاثة أيّام للمشتري».

قلت : وما الشرط في غير الحيوان؟

قال : «البيّعان بالخيار ما لم يفترقا» (١) .. إلى آخره.

ومثل رواية عليّ بن أسباط عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام قال : «الخيار في الحيوان ثلاثة أيّام للمشتري» (٢).

ومثل صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «في الحيوان كلّه شرط ثلاثة أيّام للمشتري» (٣).

ومثل صحيحة ابن رئاب عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : «الشرط في الحيوانات ثلاثة أيّام للمشتري» (٤).

الثانية ؛ ما يدلّ على اختصاص الخيار بالمشتري ونفيه عن البائع فيما إذا كان المبيع حيوانا.

مثل ما عن «قرب الإسناد» قال : سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن رجل اشترى جارية لمن الخيار ، للمشتري ، أو للبائع ، أولهما كلاهما؟

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١٨ / ٦ الحديث ٢٣٠١٣ و ١١ الحديث ٢٣٠٢٧.

(٢) وسائل الشيعة : ١٨ / ١٢ الحديث ٢٣٠٣٠.

(٣) وسائل الشيعة : ١٨ / ١٠ الحديث ٢٣٠٢٣.

(٤) وسائل الشيعة : ١٨ / ١٣ الحديث ٢٣٠٣٢.

٣٦٣

قال : «الخيار لمن اشترى ثلاثة أيّام نظرة ، فإذا انقضت ثلاثة أيّام فقد وجب الشراء» (١).

الثالثة ؛ ما يكون ظاهره في كون الخيار في المعاملة الّتي فيها حيوان لصاحب الحيوان ولمن انتقل إليه الحيوان من دون بيان كونه مشتريا أو بايعا أو كلاهما.

مثل صحيحة محمّد بن مسلم : «المتبايعان بالخيار ما لم يفترقا وصاحب الحيوان بالخيار (٢) ما لم يفترقا» (٣).

ومثل رواية ابن فضّال ، قال : سمعت أبا الحسن الرضا عليه‌السلام : «صاحب الحيوان المشتري بالخيار ثلاثة أيّام» (٤).

الطائفة الرابعة ؛ ما هي ظاهرة في ثبوت الخيار للمتبايعين إلى ثلاثة أيّام في المعاملة الّتي فيها حيوان ، ولكن من حيث كونه مبيعا أو ثمنا مطلق أو مهمل.

مثل صحيحة اخرى لمحمّد بن مسلم : «المتبايعان بالخيار ثلاثة أيّام في الحيوان ، وفيما سوى ذلك من بيع حتّى يفترقا» (٥).

ولا يخفى ؛ أنّه لو اخذ بإطلاق هذه الطوائف الأربع لكان بين كلّ طائفة منها معارضة ، فإنّ الطائفة الاولى مفادها إثبات الخيار للمشتري في المعاملة الّتي

__________________

(١) قرب الإسناد : ٧٨ ، وسائل الشيعة : ١٨ / ١٢ الحديث ٢٣٠٣١.

(٢) هذه الطائفة تحتاج إلى المراجعة ، حيث لم يظهر لنا وجودها رأسا ، «منه رحمه‌الله».

(٣) وسائل الشيعة : ١٨ / ٥ الحديث ٢٣٠١١ ، وفيه : البيّعان بالخيار حتّى يفترقا وصاحب الحيوان بالخيار ثلاثة أيّام.

(٤) وسائل الشيعة : ١٨ / ١٠ الحديث ٢٣٠٢٣.

(٥) وسائل الشيعة : ١٨ / ١٠ الحديث ٢٣٠٢٥.

٣٦٤

كان فيها حيوان من دون نظر إلى كونه مبيعا أو ثمنا ، بل مقتضى إطلاقها أعمّ من كليهما.

والطائفة الثانية ؛ يثبت الخيار لخصوص المشتري بشرط كون الحيوان بيعا لا مطلقا ، فيعارض الاولى.

والثالثة ؛ يثبت الخيار لصاحب الحيوان مشتريا كان ـ فيكون الحيوان مبيعا أو بائعا ـ فيكون الحيوان ثمنا ، أو كلاهما ، فيعارض الطائفتين.

والرابعة ؛ مثبتة للخيار للمتبايعين في مطلق معاملة كان فيها حيوان ثمنا أو مثمنا ، فتعارض الجميع ، هذا مقتضى النظر الاولى.

ولكن بعد التأمّل يظهر بأنّ الطائفة الاولى لا تعارض الثانية ؛ حيث إنّ الظاهر من المشتري في الأخبار الاولى هو مشتري الحيوان ، فيكون موردها ما إذا كان الحيوان مبيعا ، ووجه الظهور في قوله : ما الشرط في الحيوان؟ فإنّه من الواضح أنّ المراد الخيار في ردّ الحيوان.

مضافا إلى أنّ الحكمة في جعل الخيار لما كان هو الإرفاق على العباد من حيث إنّهم لعلّه يطّلعون في الثلاثة على بعض العيوب الخفيّة في الحيوان الّتي لم يحصل الاطّلاع عليه عند البيع.

فهذا المعنى يوجب الارتكاز الّذي يصير من قبيل القرائن الحافّة الموجبة لأن يصير اللفظ منصرفا إلى مشتري الحيوان ، فكأنّه قيل : ثلاثة أيّام لمشتريه أو لمشتري الحيوان ، فيكون مفاد الطائفة الاولى مع مفاد الثانية واحدة ، فكلاهما حينئذ يكون مفادهما ثبوت الخيار للمشتري بشرط كون الحيوان مبيعا.

وأمّا الطائفة الثالثة الظاهرة في كون الخيار لصاحب الحيوان ، إطلاقها

٣٦٥

يقتضي أنّ الخيار للمشتري إن كان المبيع حيوانا ، وللبائع إن كان الحيوان ثمنا ، ولكليهما إن كان كلاهما حيوانا ، فيعارض الطائفة الثانية الّتي كان مرجع الاولى إليها.

فحينئذ الأمر يدور بين رفع اليد عن مفهوم الطائفة الاولى ، فإنّ [مقتضى] قوله : «ثلاثة أيّام للمشتري» أنّه ليس بغير المشتري خيار ، سواء انتقل إليه الحيوان وكان صاحب الحيوان ، أو لم ينتقل إليه الحيوان.

وبعبارة اخرى ؛ ظاهرها أنّ خيار الحيوان مختصّ بالمشتري ، مع كون مورده أيضا فيما إذا كان المبيع حيوانا ، فمفهومه أنّه ليس لغير المشتري خيار ولو انتقل إليه الحيوان ، ولا للمشتري إذا لم ينتقل إليه.

فحينئذ ؛ إمّا لا بدّ من رفع اليد عن مفهومها ، وحمل قوله : «للمشتري» على ما إذا كان المبيع حيوانا ، يعني في مورد كان الحيوان منحصرا لوقوعه مبيعا الخيار مختصّ بالمشتري لا البائع ولا لكليهما ، أو رفع اليد عن إطلاق الطائفة الثالثة وحمل «صاحب الحيوان» على خصوص المشتري فيما إذا كان المبيع حيوانا ، والتعبير عن المشتري بصاحب الحيوان لكون الغالب في المعاملة الّتي فيها الحيوان كون الحيوان مبيعا ، فالمشتري هو صاحبه.

والأقوى ؛ حمل الطائفة الثالثة على الاولى ، والحكم باختصاص الخيار بالمشتري بشرط كون المبيع حيوانا. وذلك ، لأنّه لو اخذ بإطلاق «وصاحب الحيوان» يلزم لغوية لفظ «المشتري» في الأخبار المتعدّدة ، فتكرّر ذلك فيها يقتضي أنّ للمشتري خصوصيّة ، وليس ذكره لمجرّد كونه صاحب الحيوان من باب الاتّفاق.

٣٦٦

ومن ذلك ظهر دفع توهّم أنّ ذكر المشتري والخيار له من جهة أنّ المبيع كان هو الحيوان فقط ، وكان المشتري هو صاحب الحيوان ، فلا يدلّ على عدم الخيار للبائع إذا كان هو صاحب الحيوان لأجل كون الثمن حيوانا.

توضيح الدفع ؛ أنّ تكرار لفظ «المشتري» والاكتفاء به يشهد أنّ الخيار في المعاملة الّتي فيها الحيوان مختصّ بالمشتري إذا كان المبيع حيوانا ، مع أنّ غالب الأخبار مطلق من جهة كون الثمن حيوانا وعدمه ، فاختصاص الخيار بالمشتري في مطلق المعاملة الّتي فيها الحيوان ظاهر كمال الظهور في عدم ثبوت الخيار للبائع ، ولو كان هو صاحب الحيوان أيضا.

بل اقتران ذكر خيار الحيوان بخيار المجلس الثابت للمتبايعين مع تخصيصه في الحيوان بالمشتري ممّا يوجب الاطمينان بأنّه ليس للبائع خيار ، ولو كان ممّن انتقل إليه الحيوان ، وإلّا لكان مقتضى المقام الاستفصال.

وأمّا حمل قوله : «وصاحب الحيوان بالخيار» على المشتري من جهة كون الغالب في كلّ معاملة حيوانيّة كون الحيوان هو المبيع ، فيكون المشتري هو الصاحب فممّا لا بأس به ، بل قريب.

بل في بعض الأخبار التصريح بكون المراد من صاحب الحيوان هو المشتري ، كما في خبر ابن فضّال السابق ، وصاحب الحيوان المشتري بالخيار ثلاثة أيّام فيتعيّن حينئذ هذا الحمل ، كما لا يخفى.

بقي الكلام في الطائفة الرابعة ، فإنّها ظاهرة جدّا في ثبوت الخيار لكلّ من البائع والمشتري في مطلق معاملة كانت فيها حيوان ، سواء كان المثمن فقط أو الثمن كذلك أو كلاهما ، فيعارض الأخبار السابقة الدالّة على اختصاص الخيار

٣٦٧

بالمشتري ، مع كون مورد الخيار ما إذا كان المثمن هو الحيوان.

غاية الأمر بمقتضى تصريح رواية «قرب الإسناد» بعدم الخيار للبائع في مورد كان المثمن حيوانا تخصّص تلك الطائفة بما إذا كان الثمن والمثمن حيوانا أو كان الثمن فقط ، وحيث إنّه لم يقل أحد بثبوت الخيار للمتبايعين فيما إذا كان الثمن حيوانا دون ما إذا كان الثمن حيوانا ، بل لو كان قول فبالعكس.

مع أنّ أخبار «صاحب الحيوان بالخيار» يكون ظاهرة في اختصاص الخيار بمن انتقل إليه الحيوان وإن حملناها على المشتري ، فلا بدّ من حمل تلك الطائفة على مورد كان الثمن والمثمن كلاهما حيوانا.

فحينئذ ؛ لا بدّ إمّا من رفع اليد عن إطلاق الطائفة الاولى وحملها على مورد كان الحيوان خصوص المثمن ، وأنّ قوله : «ثلاثة أيّام» للمشتري ، يعني في خصوص ما إذا كان صاحب الحيوان هو المشتري فقط ، وأمّا إذا كان كلّ من الثمن والمثمن ، فيكون خارجا من شمولها وداخلا تحت قوله : «المتبايعان بالخيار في الحيوان إلى ثلاثة أيّام».

ويؤيّد هذا الجمع أنّ الإرفاق في جعل خيار الحيوان ـ وهو الاطّلاع على الامور الخفيّة ـ يقتضي أن يكون الخيار ثابتا لكلّ من البائع والمشتري في مورد كان الثمن والمثمن كلاهما حيوانا ؛ لعدم اختصاص الإرفاق بخصوص المشتري.

ولا يلزم من ذلك القول بثبوت الخيار لخصوص البائع فقط فيما إذا كان الثمن حيوانا دون المثمن ؛ إذ الإرفاق ليس دليلا بنفسه ، بل هو موجب لقوّة الدليل ، وفي مورد كان الثمن حيوانا دون المثمن لا دليل على ثبوت الخيار أصلا ؛ لما ذكرناه من أنّ أخبار «وصاحب الحيوان» محمول على المشتري ،

٣٦٨

وأن التعبير عنه به للغلبة.

نعم ؛ لازم هذا المعنى أن يحمل قوله في ذيل صحيحة ابن مسلم : «وفيما سوى ذلك البيّعان بالخيار» .. إلى آخره ، على معاملة لم يكن فيها الحيوان مثمنا أو لم يكن فيها حيوان أصلا ، فإنّه لو اخذ بظاهرها من حملها على ما سوى كون الثمن والمثمن كلاهما حيوانا ، فإطلاقه يقتضي عدم خيار الحيوان أصلا ، حتّى مع كون المثمن حيوانا ، وهو خلاف صريح الأخبار السابقة.

اللهمّ إلّا أن يقال بتخصيصه بها.

وأمّا مع الأخذ بظهور الأخبار السابقة في عدم الخيار للبائع ولو مع كون الثمن ؛ لكونها في مقام التحديد والحكم بالتعارض بين الطائفتين ؛ لعدم إمكان الجمع بوجه آخر ، فلو لم يكن في البين إجماع على خلاف ما هو مقتضى الجمع المذكور يتعيّن بعدم كونه تبرّعيّا بعد الالتفات إلى ما هو حكمة خيار الحيوان.

ولكن لو قلنا من جهة عدم قائل بما هو نتيجة الجمع لا مجال إلى الالتزام به ، فلا محيص عن الرجوع إلى ما هو مقتضى قواعد باب التعارض.

ومن المعلوم أنّ الأكثريّة من حيث عدد الأخبار ليس من المرجّحات في الأخبار ، ولو قلنا به في باب البيّنات في القضاء ؛ لعدم الدليل عليه في تعارض الأخبار.

والمراد من المشهور أو الأشهر أيضا ليس كثرة العدد وقلّته ، بل المراد به هو الشهرة في النقل في كتب أصحاب الحديث ، كما أنّه من حيث صحة السند العدالة ليست في المقام مرجّحا ؛ لكون الأخبار في كلا الطرفين صحيحة ، كما أنّ الشهرة من حيث الفتوى على طبق مضمون الطائفة الاولى لا يكون موجبا

٣٦٩

للترجيح ، مع عدم إحراز إعراض الأصحاب عن الطائفة الثانية حتّى يوجب ذلك وهنا فيها.

فيبقى الكلام في موافقة الكتاب ، وهو قوله تعالى : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) ، فإنّه في مورد لم يكن للبائع خيار المجلس يدلّ على وجوب الوفاء ، بالعقد بلزوم ترتيب أثره حتّى بعد الفسخ ، فيثبت اللزوم في غيره ، يعني في مورد كان له خيار المجلس بعد انقضائه بعدم القول بالفصل.

هذا بناء على عدم جواز التمسك بالعامّ فيما إذا خصّص بالنسبة إلى زمان الأول بالإضافة إلى زمان زماني ، كما هو مسلك الشيخ على ما سيأتي في خيار الغبن (١). وأمّا بناء على جواز الشكّ كما هو التحقيق ، فيكون أخبار الطائفة الاولى موافقة لـ (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) مطلقا ، كان للبائع خيار الحيوان أو لم يكن.

غاية الأمر في مورد لم يكن له خيار المجلس مقتضى (أَوْفُوا) الحكم بعدم الخيار له بمقتضى الأخبار من حين العقد ، وفي مورد كان له خيار المجلس الحكم بعدمه له أيضا من حين العقد وإن كان له الخيار من جهة اخرى ، فإنّ اللزوم من جهة لا ينافي الجواز من جهة اخرى أو الحكم بعدم الخيار بعد انقضاء المجلس لو بنينا على التنافي.

هذا بناء على المختار من جواز التمسّك بالعامّ المخصص بالنسبة إلى زمان الأوّل من العمل به فقد علمت جواز الترجيح بعموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) من جهة الترجيح بموافقة الكتاب.

وأمّا على مسلك الشيخ قدس‌سره فقد علمت أنّه تمسّك بعموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)

__________________

(١) المكاسب : ٥ / ٢٠٧ ـ ٢٠٩.

٣٧٠

في مورد لم يكن للبائع خيار المجلس وتعميم مدّعاه في مورد كان له هذا الخيار بالنسبة إلى ما بعد انقضائه بعد القول بالفصل.

ولكنّك خبير بأنّ عدم القول بالفصل في المقام ليس إلّا في الحكم الواقعي الفرعي ، يعني من قال بثبوت الخيار للبائع قال به في كلا الموردين ، ومن قال بعدمه قال بالعدم أيضا في كلا الموردين ، فالحكم في كلا الموردين واحد إجماعا وهذا المعنى يوجب ترجيح الأخبار الدالّة على ثبوته مطلقا بعد مساعدة (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) على الترجيح في أخذ الموردين لو لم يكن الحكم الاصولي في المورد الآخر على خلاف المورد الأوّل ، وما نحن فيه في مورد لم يكن هناك (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) الحكم الاصولي الشرعي في الخبرين المتعارضين هو التخيير بين الخبرين ؛ لعدم مرجّح في المورد ، ومقتضى التخيير بين الخبرين أنّه لو اخذ بالخبر الدالّ على ثبوت الخيار للمتبايعين أنّ الخيار ثابت للبائع في هذا المورد ، وبعدم القول بالفصل نقول بثبوت الخيار له مطلقا ولو في مورد لم يكن له خيار المجلس.

وبعبارة اخرى ؛ بعد ما كان الحكم الظاهري المستفاد من الأخبار العلاجيّة في أحد الموردين خلاف ما يقتضيه تلك الأخبار في المورد الآخر ، فلا وجه للأخذ بأحدهما في مورد وتعميم المدّعى في الآخر بعدم القول بالفصل في الحكم الواقعي الشرعي. إذ لقائل أن يقول : لم لا ينعكس الأمر؟ وحيث لا يجوز الترجيح بلا مرجّح فيتكافئان فيتساقطان ، ولا بدّ من الرجوع إلى الأصل العملي.

وقد سمعت أنّ مقتضاه اللزوم لو لم يكن في البين خيار المجلس ، واستصحاب بقاء السلطنة على الفسخ في مورد كان خيار المجلس.

٣٧١

وأمّا على المختار من جواز التمسك بعد التخصيص أيضا ؛ فلا مانع من الأخذ بالأخبار الدالّة على عدم الخيار للبائع واختصاصه بالمشتري مطلقا ، بناء على التعارض وعدم الجمع الدّلالي لكونها موافقة لعموم (أَوْفُوا) وهذا بناء على عدم صحّة الجمع المزبور.

ولكن مقتضى دقيق النظر يقتضي ما ذهب إليه جماعة وتبعهم في «المسالك» من كون الخيار لصاحب الحيوان ومن انتقل إليه ، سواء كان بائعا في المعاملة أو مشتريا أو كليهما (١) ، وذلك ؛ لأنّ صحيحة ابن مسلم المشتملة على جملة «والمتبايعان بالخيار ثلاثة أيّام في الحيوان» (٢) صريحة في أنّ لكلّ منهما الخيار ، ومقتضاه أنّ في كلّ معاملة حيوانيّ لهما الخيار ، ولو كان الحيوان في أحد الطرفين فقط.

غاية الأمر بمقتضى صحيحة ابن رئاب السابقة عن «قرب الإسناد» الصريحة في عدم الخيار للبائع فيما إذا كان المبيع حيوانا ، لا بدّ من رفع اليد عن إطلاق تلك الصحيحة الدالّة على ثبوت الخيار لهما مطلقا في خصوص مورد كان المثمن فقط حيوانا ، وحيث كان ثبوت الخيار لهما معا في مورد كان الثمن فقط حيوانا دون مورد كان المثمن حيوانا خلاف الإجماع ظاهرا ، فلا بدّ من حملها على مورد كلّ منهما حيوان.

فحينئذ ؛ الأخبار السابقة الظاهرة في اختصاص الخيار بالمشتري ولو كان العوضان كلاهما حيوانا ، غاية الأمر ظاهرة في الاختصاص ، ومقتضى القاعدة

__________________

(١) مسالك الإفهام : ٣ / ٢٠٠.

(٢) وسائل الشيعة : ١٨ / ١٠ الحديث ٢٣٠٢٥.

٣٧٢

هو رفع اليد عن ظهورها بمقتضى نصّ هذه الصحيحة وحملها على مورد كان الحيوان هو المثمن فقط ، كما هو صريح رواية «قرب الإسناد» كما رفعنا اليد عن ظاهر تلك الصحيحة في الإطلاق حتّى في مورد يكون المثمن حيوانا بمقتضى نصّ رواية «قرب الإسناد».

فحينئذ ؛ يصير مورد الأخبار السابقة ما إذا كان المثمن حيوانا لا مطلقا ، ونتيجة الجمع بينهما هو ثبوت الخيار للمشتري فقط إذا كان المثمن حيوانا ، وللمتبايعين إذا كان العوضان حيوانا كلاهما.

وإذا حملنا الأخبار السابقة على مورد يكون المثمن حيوانا يبقى إطلاق خبر «وصاحب الحيوان بالخيار» بالنسبة إلى ثبوت الخيار لخصوص البائع فيما إذا كان الثمن حيوانا بلا معارض ، فهي المرجع حسبما تقتضيه نتيجة الجمع بين مجموع الطوائف. ويؤيّده ما ذكرناه من كلمة جعل الخيار ، فتأمّل جيّدا.

ثمّ إنّ مقتضى إطلاق الأخبار في كون انتهاء هذا الخيار ثلاثة أيّام عدم الفرق بين الأمة وغيرها من أصناف الحيوان ، بل في رواية «قرب الإسناد» التصريح بالثلاثة في خصوص الجارية ، فالقول بكون منتهى الخيار فيها انقضاء زمن استبرائها اجتهاد في مقابل النصّ.

مسألة : مبدأ هذا الخيار من حين العقد ، كما عليه المشهور ، فلو بقي المجلس إلى ثلاثة أيّام ينقضي ويبقى خيار المجلس حتّى يتفرّقا ، والدليل عليه اتّحاد سياق الأخبار المشتملة على بيانها وخيار المجلس مقارنا أحدهما بالآخر ، فكما أنّ في خيار المجلس من جهة وضوح المبدأ ـ وهو كونه من حين العقد ـ ما تعرّض إلّا لبيان انتهائه ، فكذلك هذا الخيار لا تعرّض إلّا لمنتهاه ، وهو الثلاثة.

٣٧٣

وأمّا الابتداء ، فحكمه من هذه الجهة حكم خيار المجلس واتّحاد السياق فيها في حمل الظهور ، كما لا يخفى.

ومع ذلك قد خالف فيه ابن زهرة والشيخ وابن إدريس فجعلوه مبدأه من حين الافتراق (١).

والعمدة لما يمكن الاستدلال لهم أمران :

أحدهما ؛ ما هو الوجه العرفي ، وهو أنّه قد مرّ أنّ الحكمة في جعل هذا الخيار الإرفاق والامتنان على العباد من جهة أنّهم لعلّه اطّلعوا على أمر كان مختفيا عليهم حين البيع ، ومن المعلوم أنّ الإرفاق لا يتصوّر إلّا إذا كان المكلّف في ضيق وكلفة لو لا ذلك ، وهذا المعنى قبل انقضاء خيار المجلس غير متحقّق ، فلا بدّ أن يكون مبدأ هذا الخيار بعد انقضاء المجلس.

وفيه ؛ أنّه قد تقدّم أنّ الحكمة بما هي لا يكون دليلا حتّى يدور الحكم مداره ، بل هو على فرض ثبوته يوجب قوّة الدليل ، وهو مفقود في المقام ، بل قد عرفت وجود خلافه.

وأمّا الثاني : ما هو مقتضى حكم العقل من أنّ العقد وإن كان له جهة إضافة إلى المجلس وإضافة إلى الحيوان ، وهما لو كانتا تقيّدتين يمكن أن يكون لكلّ جهة خيار ، بأن يكون العقد بما هو مقيّد بالمجلس موضوعا لخيار المجلس ، وبما هو مقيّد بالحيوان موضوعا لخياره إلى ثلاثة أيّام ، ولكن من المعلوم أنّ هاتين الجهتين ليستا تقييديّة بل تعليليّة ، فحينئذ يصير موضوع الخيار ذات العقد.

__________________

(١) غنية النزوع : ٢٢٠ ، المبسوط : ٢ / ٨٥ ، السرائر : ٢ / ٢٤٧ ، ولاحظ! المكاسب : ٥ / ٩٢.

٣٧٤

فعلى هذا لا يعقل اجتماع الخيارين المستقلّين فيه ؛ إذ يستلزم اجتماع السلطنتين المستقلّتين بالنسبة إلى موضوع واحد شخصيّ ، فكما لا يمكن اجتماع الملكين بالنسبة إلى عين فارد خارجيّ.

وفيه ؛ أنّ العقد وإن كان واحدا ذاتا وجهة ، والجهتان المذكورتان تعليليّة ، ولكن بعد تسليم أنّ في العقد هاتين الجهتين فيحصل له حدّان ؛ إذ كلّ واحد من العلّتين يقتضي ثبوت خيار في العقد.

ومن المعلوم أنّ الخيار بالنسبة إلى العقد بحسب الاعتبار نظير العرض القائم بالموضوع ، ومن الظاهر أنّ موضوع كلّ عرض بما هو موضوع ذاك العرض لا يعقل أن يكون دائرة موضوعه أوسع عن دائرة موضوع ضدّه أو مثله ، فالعقد بما هو معروض خيار المجلس يحصل له حدّ به موضوع له ، كما أنّ عرضه وهو الخيار بما هو عرض ذاك الموضوع ، وبما هو معلول لعلّته وهو المجلس لا يمكن أن يكون دائرته أوسع من موضوعه أو علّته.

ثمّ إنّ المفروض في هذا العقد مقتض لخيار آخر ، وهو الحيوان ، وموضوعه أيضا العقد ، ولكن لا بما هو موضوع خيار المجلس بحدّه المختصّ به حتّى يلزم اجتماع المثلين ، بل بما هو موضوع نفسه بحدّه الّذي يكون توأما لهذا الخيار.

وبعبارة اخرى ؛ كلّ واحد من العلّتين بنفسه مقتض لحفظ الخيار ، ومن الظاهر أنّ الخيار الّذي يكون معلولا لأحدهما بما هو معلوله يستحيل أن يكون دائرته أوسع من دائرة علّته ، فما يحفظ بأحدهما غير ما يحفظ بالآخر ، وإلّا يلزم أن يكون شي‌ء واحد معلولا للعلّتين.

٣٧٥

فحينئذ ؛ لا بدّ وأن يكون العقد بما هو معروض لأثر أحد العلّتين غير ما هو معروض لأثر العلّة الاخرى ، ولو كانت المغايرة بالحدّ لا بالذات ، فيرتفع المحذور حينئذ من اجتماع سلطنتين بالنسبة إلى شي‌ء واحد.

وإن شئت قلت : إنّ كلّ واحد من السلطنتين باعتبار غير ما يكون الاخرى ، ولا مانع من هذا المعنى بعد ما كان المدار في الامور الاعتباريّة كونها موافقة للاعتبارات العقلائيّة ، والمفروض أنّ الدليل في مقام الإثبات أيضا موجود لكون دليل خيار الحيوان مطلقا من حيث الأحوال ، فيكفي ذلك لإثبات المقصود.

ثمّ إنّ المراد من زمان العقد الّذي قلنا كون مبدأ الخيار من حينه هو الّذي بنينا عليه في خيار المجلس ؛ إذ بعد أن تبيّن المستفاد من وحدة السياق في الأخبار من حيث مبدأ الخيارين ، وأنّ ما تعرّض الفرق بينهما من جهة الانتهاء فالسكوت من طرف المبدأ يفيد اتّحادهما فيه.

فالكلام في مبدأ هذا الخيار بعينه هو ما تقدّم في خيار المجلس من أنّ المبدأ حين صدق «البيّع» ، وهو الأصيل حين العقد إن لم يكن القبض شرطا في الصحّة ، وبعد القبض إن كان شرطا ، وفي العقد الفضولي بعد الإجازة على القول بالنقل ، وحين العقد على القول بالكشف حقيقة أو حكما ، وهكذا في المقام.

دخول الليلتين المتوسّطتين في الثلاثة أيّام

مسألة : اختلفوا في المراد من الثلاثة الّتي ظرف لهذا الخيار ، والاحتمالات فيه كثيرة.

٣٧٦

الأوّل : أن يكون المراد ثلاثة أيّام مع لياليها ، على أن يكون المراد من اليوم يوم وليلته ، بنحو يكون هو جزءا لمدلول اليوم واللفظ مستعملا فيهما.

ولا خفاء في أنّ المراد من ليلة كلّ يوم هي السابقة عليه ، لأنّ ليلة كلّ يوم يسمّى باسم يومه ، فليلة يوم السبت هي ليلة السبت ، وهكذا غيرها.

ولازم هذا المعنى أنّه لو وقع العقد أوّل الليل كان مدّة الخيار ثلاثة أيّام بلياليها الثلاثة ، ولو وقع في نصفها كان المراد من اليوم الأوّل هو ونصف من ليله ، ولو وقع في أوّل النهار يكون هو اليوم فقط ، فيصير ظرف الخيار ثلاثة أيّام بالليلتين المتوسّطتين.

وهنا احتمال آخر ؛ على هذا أيضا بأن يكون المراد من ليلة كلّ يوم ليلتها اللاحقة به ، وذلك للفرق بين مثل يوم السبت ويوم الأحد ممّا لو كان المراد منها هذا اليوم الخاصّ مع ليلته ، وبين مثل اليوم المطلق أو ثلاثة أيّام إذا كان المراد بها مع لياليها ، حيث إنّ الظاهر من الثاني الليلة اللاحقة ، وبناء على ذلك يصير الأمر بالعكس ، بمعنى أنّ العقد لو وقع في أوّل الليل أو نصفه فلا يجب ذلك الليل من زمن الخيار ، بل يحسب أوّله من أوّل النهار ، ولكن الأقوى الأوّل.

الثاني : أن يكون المراد الأيّام بلياليها أيضا ، ولكن على أن يكون دخول الليالي بعنوان التبعيّة ، فالأيّام لا تشمل إلّا نفس النهار ، ولكن لما كان ليالي تلك الأيّام من قبيل توابعها ، فهي داخلة فيما تعلّق الحكم به تبعا ، كدخول توابع الدار فيها إذا بيع الدار ، وحينئذ ؛ إذا كان العقد واقعا في أوّل الليل يدخل الليالي الثلاثة ، وإذا وقع في أوّل النهار يدخل الأخيرتين.

فهذا الاحتمال مع الأوّل مشترك من حيث النتيجة ، والفرق بينهما أنّه على

٣٧٧

الأوّل اريد من اليوم هو وليلته بخلاف الثاني.

الثالث : أن يكون اليوم مقدار البياض من النهار ، فيكون المراد من ثلاثة أيّام مقدار البياض من ثلاثة أيّام ولو ملفّقا من اليوم والليل ، أو من النهارين مع ليلته ، فزمن الخيار على هذا لا بدّ أن يحسب بمقدار ثلاثة أيّام ، ففي أوقات تساوي الليل والنهار يصير ستة وثلاثين ساعة.

الرابع : أن يكون المراد نفس النهار بما هو ، من دون إرادة الليل لا أصالة ولا تبعا ولا بعنوان التلفيق منه ومن اليوم أصلا ، وهذا على قسمين :

الأوّل : أن يكون المراد بياض ثلاثة أيّام ولو ملفّقا بأنّ المراد مقدار بياض ثلاثة أيّام بشرط أن يكون ذلك المقدار أيضا من بياض النهار.

والثاني : أن يكون بياض ثلاثة أيّام من دون تلفيق ، فالمراد ثلاثة أيّام حقيقة.

فهذان الوجهان مشتركان في أنّ الليل ليس داخلا في زمن الخيار ، وإنّما اعتباره من باب استمرار الخيار ، ولكن الفرق بينهما أنّه على الوجه الأوّل لو وقع العقد في أوّل الظهر يستمرّ الخيار إلى أوّل الظهر من اليوم الرابع ، وعلى الثاني إلى غروب اليوم الرابع.

هذا بالنسبة إلى عالم التصوّر ، وأمّا تحقيق الأمر ؛ فأقرب الاحتمالات هو الأخير ؛ لأنّ اليوم حقيقة في النهار الّذي مبدؤه البياض في طرف الصبح ، ومنتهاه البياض من طرف الليل.

وأمّا إرادة اليوم والليلة على أن يكون دخول الليل نحو الجزئيّة ـ كما هو الاحتمال الأوّل ـ فهو مجاز لا يصار إليه إلّا بدليل ، وهو في المقام وغيره ممّا

٣٧٨

علّق الحكم فيها على اليوم كباب الإجارة والتراوح والإقامة وأمثالها ، وكذلك إرادة الليل تبعا يحتاج إلى دليل وهو مفقود في المقام وغيره.

وأمّا إرادة مقدار اليوم ولو من الليل ؛ فهو أبعد ، كما هو ظاهر ؛ إذ هو اسم للنهار فقط ، وإرادة البياض ولو بمقدار اليوم الواحد من اليومين فهو أيضا خلاف الظاهر ؛ إذ اليوم اسم لخصوص ما بين طلوع الشمس إلى الغروب لا المقدار من الوقت ، سواء كان ليلا أو نهارا ، ولا لمقدار من البياض ولو تلفيقا.

فما يظهر من الشيخ قدس‌سره من التلفيق عند الانكسار (١) ممّا لا وجه له.

نعم ؛ يبقى الكلام فيما إذا وقع العقد في أوّل النهار ، ولكن مضى من النهار مقدار لا يضرّ بصدق اليوم الكامل على بقيّته عرفا ، وإن يضرّ باليوم الحقيقي.

ففي مثله قد يقال : لمّا كان ظاهر العنوان في لسان الدليل اعتباره بما له من المدلول الحقيقي موضوعا للحكم ، فلا بدّ من مراعاة ما هو مدلوله بالدقّة خصوصا في التحديدات ، فلا يلاحظ فيها المسامحات العرفية ، فحينئذ ؛ في المثال لا يجوز احتساب اليوم الأوّل من الثلاثة الّتي ظرف للخيار.

ولكن فيه ؛ أنّ اليوم إذا صدق على مثل ذلك عرفا ، والحكم أيضا تعلّق بما هو المدلول للفظ عند العرف ـ كما هو الضابط في الألفاظ الواقعة في الأدلّة الشرعيّة ـ فلا وجه لرفع اليد عن هذا الضابط.

نعم ؛ فيما إذا قام الدليل على كون المناط المعنى الحقيقي فيصار إليه ، كما لا يخفى.

ثمّ إنّه إن انتهت النوبة إلى الشكّ ؛ فمقتضى الأصل بقاء الخيار ، فهو أيضا

__________________

(١) المكاسب : ٥ / ٩٥.

٣٧٩

يوافق لحمل الأيّام على اليوم التامّ لو كان الشكّ منحصرا بالنسبة إلى كون المراد مجموع ما أوّله طلوع الفجر وآخره الغروب أو ، أعمّ منه ومن أن يمضي منه مقدار قليل من أوّله ، فتأمّل جيّدا!

مسقطات خيار الحيوان

مسألة : في مسقطات هذا الخيار ، وهي امور :

الأوّل ؛ اشتراط سقوطه في العقد والإشكال في كون شرط سقوط الخيار يرجع إلى شرط خلاف السنّة ، قد مرّ الكلام فيه في خيار المجلس مع الجواب عنه.

والكلام في المقام ؛ أنّه قد يشترط في متن العقد سقوط خيار الحيوان من رأس ، بأن شرط لا خيار له من جهة الحيوان ، فلا إشكال فيه وأنّه نافذ ، ويوجب سقوط الخيار ، وقد يشترط سقوط بعضه ، بأن لا يكون له الخيار في بعض الأوقات الثلاثة ، وهذا على أقسام ؛ لأنّه إمّا أن يشترط سقوطه في خصوص اليوم الأوّل مثلا ، وإمّا في خصوص اليوم الثاني ، وإمّا في اليوم الثالث بالخصوص دون الأوّلين.

وظاهر كلام الشيخ قدس‌سره أنّه لا بأس به مطلقا ، حيث إنّه بعد أن نقل عن بعض التصريح بجواز شرطه بالنسبة إلى بعض الأوقات ، قال : لا بأس به (١). فإطلاق كلامه يعطي نفي البأس مطلقا.

ولكنّ التحقيق التفصيل ، وذلك لأنّ جواز شرط سقوطه في بعض الأوقات

__________________

(١) المكاسب : ٥ / ٩٧ ، وانظر! مفتاح الكرامة : ٤ / ٥٥٩.

٣٨٠