الاستصحاب ، لعدم المقتضي للظنّ إذا ، ولا أقلّ من بقاء المقتضي في الظنون النوعية ، وهذا هو السرّ في تقديم سائر الأدلّة الظنّية على الاستصحاب على تقدير القول به ظنّا مع كونه من الأدلّة الاجتهادية أيضا على ما ستعرف في محلّه إن شاء الله (١).
وأنت بعد ما أحطت خبرا بما تلونا (٢) تقدر على رفع ما عساه أن يقرّر الوجه المذكور بتقريب أنّ بناءهم مستقرّ على الأخذ بالحالة السابقة تعبّدا عقلائيا من غير إناطة لحصول الظنّ ؛ إذ ـ بعد الغضّ عن عدم معقولية كون الشكّ مرجّحا ، لاستلزامه الترجيح بلا مرجّح ، فلا يعقل دعوى استقرار بناء العقلاء على مثله ـ عدم دليل على اعتبار بنائهم ، على أنّه لم يذهب إليه فيما وجدناه وهم ، فإنّ الظاهر من القدماء اعتباره ظنّا وإن كان قد يوهم ذلك بعض وجوه احتجاجاتهم كما أومأنا إليه فيما تقدّم ، فتذكّر.
ثمّ إنّ السيّد الصدر المحقّق قد أورد في المقام كلاما (٣) وسلك في انتهاض الدليل على مطلبه مسلكا جديدا وطرزا طريفا لا بأس بذكر كلامه حتّى تحرّى في الاعتراض عليه على منواله ، فقال : إنّ العقل إذا لاحظ الممكن ـ الذي (٤) شأنه دوامه بدوام علّته التامّة وزواله بزوالها في زمان يكون من المحتمل عنده أن تحدث علّة الزوال وهي زوال (٥) جزء (٦) من أجزاء العلّة التامّة فيعدم الممكن ، أو لا تحدث فيبقى الممكن لوجود علّة الوجود ـ يرجّح جانب الوجود مع ملاحظة تحقّقه السابق وإن كان هو والعدم متساويين في النظر مع ملاحظة (٧) حدوث علّة العدم (٨) وعدم حدوثها ، فيكون الوجود معلوما متيقّنا أوّلا ، ومشكوكا فيه مع قطع النظر عن اليقين السابق ثانيا ، ومظنونا بعد ملاحظة اليقين السابق ثالثا ، ولا يجوز لعاقل أن يدّعي أنّ نسبة وجود قرية رآها على ساحل بحر كان احتمال خرابها به وبقائها متساويين إلى عدمها عنده ، كنسبة وجود
__________________
(١) « ز ، ك » : ـ إن شاء الله.
(٢) « ج ، م » : ـ بما تلونا.
(٣) « ز ، ك » : في المقام لطيفا.
(٤) في المصدر : الممكن الموجود الذي من شأنه.
(٥) في المصدر : « عدم » بدل : « زوال ».
(٦) « ج ، م » : جزء زوال.
(٧) في المصدر : + تساوي.
(٨) « ج » : القدم.