هداية
[ في لزوم الفحص عن المرجّح ]
قد عرفت فيما تقدّم وجوه التراجيح المعمولة في الأدلّة على وجه لا مزيد عليه كما عرفت (١) موارد التساقط والتخيير والتوقّف ، فهل يجوز الأخذ بمقتضى المذكورات قبل الفحص ، أو لا بدّ في إعمالها من الفحص؟ الحقّ هو الثاني فلا يجوز التعويل على ما يصل من وجوه التراجيح إلى نظر المجتهد ، نعم لو علم بأنّ بعد الفحص أيضا لا يزيد على ما وصل (٢) إليه نظره أوّلا جاز له التعويل عليه ، والدليل على ذلك هو بعينه ما دلّ على عدم جواز العمل بالعامّ قبل الفحص عن المخصّص ، والعمل بالأصل قبل الفحص عن الدليل.
والسرّ في ذلك : هو أنّ الجهل في الأحكام إنّما يصلح لأن يكون عذرا شرعا أو عقلا إذا لم يكن جهلا ابتدائيا ؛ إذ مع احتمال تحصيل العلم لا دلالة في العقل على قبح المؤاخذة عن الجاهل ، وأمّا ما يرى من عدم وجوب الفحص في الشبهات الموضوعية فهو إنّما تفضّل من الشارع الحكيم ، وذلك هو الوجه في عدم معذورية الجاهل المقصّر في الأحكام ؛ إذ المراد بالتقصير هو أن لا يطلب العلم ولا يتفحّص مع إمكانه في حقّه ، وبالجملة فذلك من الأمور الواضحة الجليّة.
__________________
(١) عرفت في الهداية السابقة ص ٦٥٢ وما بعدها.
(٢) « س » : يصل.