اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ ذلك إنّما يثمر في ارتفاع الظنّ الشخصي ، وأمّا الظنّ النوعي فلا معنى لارتفاع استعداده ، ويمكن أن يقال : إنّ الوجه في ذلك أنّ بناء العقلاء على ذلك إنّما هو في مقام التحيّر ، وبعد وجود الدليل فلا حيرة لهم فليس بناؤهم على الأخذ بالحالة السابقة.
وكيف كان ، فالذي يسهّل الخطب في المقام هو اتّفاق القائلين (١) بالاستصحاب من الأصحاب وغيرهم على العمل بالدليل وطرح الحالة السابقة في قباله ، ولم يعهد منهم الخلاف في ذلك من وجه عدا ما يظهر من المحقّق القمي حيث إنّه ـ بعد ما نقل عن بعض المتأخّرين (٢) عدم معارضة الاستصحاب بدليل ـ قال : إن أراد من الدليل ما ثبت رجحانه على معارضه فلا اختصاص لهذا الشرط بالاستصحاب فإنّه سار في الكلّ.
وإن أراد من الدليل ما يقابل الأصل ، ففيه : أنّ الإجماع على ذلك إن سلّم في أصل البراءة وأصل العدم فهو في الاستصحاب ممنوع ، ألا ترى أنّ جمهور المتأخّرين قالوا :
إنّ مال المفقود في حكم ماله حتّى يحصل العلم العاديّ بموته استصحابا للحالة السابقة مع ما ورد من الأخبار المعتبرة بالفحص أربع سنين ثمّ التقسيم بين الورثة ، فكيف يدّعى الإجماع على ذلك؟
وإن أراد أنّ الاستصحاب من حيث هو لا يعارض الدليل القطعي (٣) كما أنّ العامّ والمفهوم من حيث إنّهما كذلك لا يعارضان الخاصّ والمنطوق ، فله وجه إلاّ أنّه لا ينافي تقديمه على الدليل بواسطة الخارج كما فيهما أيضا.
ثمّ أردف ذلك باحتمال أخذ الظنّ في تعريف الاستصحاب كأن يكون الحكم مظنون البقاء فحكم بانتفاء الاستصحاب وحقيقته عند وجود الدليل ، فلا يعقل الاشتراط ، وعلى تقدير عدم اعتباره في ماهيّة (٤) ورود (٥) الأمر بين اعتباره من جهة الظنّ
__________________
(١) « ج ، م » : العاملين.
(٢) هو الفاضل التوني في الوافية : ٢٠٨.
(٣) في المصدر : النطقي.
(٤) « ز ، ك » : اعتباره من جهة.
(٥) « ج » : مردّد.