لتقديم العلاج الكتابي على العلاج بالمخالفة مطلقا ، وإنّما يصحّ ذلك فيما عرفت (١) من المباينة والعموم من وجه ، كما لا وجه لتقديم العلاج بالمخالفة على العلاج بالكتاب مطلقا ، وإنّما يصحّ فيما إذا كان الخبر أخصّ من الكتاب.
ومن المرجّحات المذكورة في المقبولة قوله عليهالسلام أخيرا : « ينظر إلى ما هم إليه أميل حكّامهم وقضاتهم فيترك ويؤخذ بالآخر » بعد قوله : « فإن وافقهما الخبران » لا يخفى أنّ موافقة الخبرين للعامّة على وجهين : أحدهما : أن يكون بعضهم موافقا لأحد الخبرين وبعض الآخر منهم للآخر وهو الظاهر من السياق ، والثاني : أن يكون كلّ واحد من الخبرين موافقا لجميعهم بأن يكون حكم الواقعة عندهم هو التخيير بين حكمين (٢) يستفاد أحدهما من أحدهما والآخر من الآخر.
وقوله : « أميل إليه قضاتهم » أيضا يحتمل بعد ما ذكرنا وجهين : أحدهما : أن يكون المقصود باسم التفضيل ما هو المعهود منه من إفادته كثرة الفعل وشدّته ، وثانيهما : أن يكون المقصود به كثرة المائلين لا شدّة الميل على ضرب من التأويل ، وهذا الوجه يلائم الوجه الأوّل من الموافقة فإنّ كثرة الميل بعد اختلاف المدارك بعيد ، سيّما بعد ملاحظة اختلاف مذاهب القضاة ، فإنّ الكلام فيمن هو المرجع عندهم في الأحكام الشرعية فقضاة مذهب الشافعي ـ مثلا ـ لا يتصوّر بعد أخذهم مذهب الشافعي كثرة ميلهم إلى ما ذهب إليه أبو حنيفة ، فلا بدّ من الحمل على كثرة المائلين ، نعم يصحّ ذلك على الوجه الثاني ؛ إذ بعد ما هو المفروض من أنّ حكم الواقعة عندهم التخيير فيمكن كثرة ميل قضاتهم إلى طرف من أطراف التخيير ، و (٣) هذا وإن كان مناسبا لظاهر لفظ العامّة فإنّه ظاهر في الجميع وملائما (٤) لاسم التفضيل إلاّ أنّه بعيد عن السياق كما عرفت ، كذا أفيد.
__________________
(١) « م » : عرفت فيه.
(٢) المثبت من « س » ، وفي سائر النسخ : احتمالين.
(٣) « د ، س » : ـ و.
(٤) « س » : ملائم.