وعلى الثاني : فلا ريب في وجوب تخصيص الكتاب بالخبر المخالف للكتاب على تقدير جواز التخصيص مع وجود مرجّح لذلك الخبر ولو في أدنى مراتب المرجّحية ؛ لعدم المانع منه ووجود المقتضي له ، وعلى تقدير عدم جواز التخصيص فلا تعارض ؛ لعدم اعتبار الخبر المخالف للكتاب ، فيكون المخالفة موهنة للخبر ، وعلى تقدير عدم المرجّح فالمرجع هو عامّ الكتاب لسقوط الخبرين بالمعارضة عن الحجّية ، وليس المقام محلّ التخيير ؛ لادّائه إلى عدم حجّية الكتاب ، إذ على تقديره كما يجوز (١) الأخذ بما يوافق كذلك يجوز الأخذ بما يخالف الكتاب ، وذلك طرح للكتاب من غير وجه.
قلت : ولعلّك تقول : إنّ التخيير بين الخبرين والأخذ بالمخالف يقوم مقام الأخذ بالخبر مع الترجيح ، فكما لا غائلة في التخصيص مع الترجيح لا غائلة فيه مع ما هو بمنزلته شرعا وليس ذلك طرحا للكتاب من غير وجه ، وكيف كان فعلى ما أفاده مدّ الله ظلاله على رءوس العالمين (٢) ليس المورد من موارد التخيير ، ولا من موارد ترجيح (٣) الموافق للكتاب (٤) على الآخر ، أمّا الأوّل فلما عرفت ، وأمّا الثاني فلأنّ الترجيح بالعموم إنّما يحصل بعد فرض بقائه على عمومه وهو حينئذ دليل مستقلّ.
قلت : كونه دليلا مستقلاّ لا ينافي أن يكون مرجّحا للدليل الموافق ، فإنّ كثرة الدليل أيضا من وجوه الترجيح كما هو معلوم وستعرفه.
وبالجملة : فالذي يفضي إليه النظر هو الأخذ بالخبر الموافق وطرح الخبر المخالف (٥) ؛ لحصول الترجيح له بالموافقة ، ولا سيّما فيما قلنا باعتبار أصالة الحقيقة من باب الظنّ ، ولو تنزّلنا عن ذلك فالحكم ـ كما نبّهت عليه ـ هو التخيير ، وعلى تقدير الأخذ بالخبر
__________________
(١) « س » : لا يجوز.
(٢) « د » : دام ظلّه.
(٣) المثبت من « م » وفي سائر النسخ : ـ ترجيح.
(٤) « س ، ج ، م » : بالكتاب.
(٥) « ج ، د ، م » : ـ المخالف ، وشطب عليها في « س ».