مشتملا على ما هو مناط الحجّية والأصلان في المقام ليسا كذلك ، أمّا أنّ التخيير لا يكون إلاّ فيما كان الدليلان باقيين على ما هو مناط الحجّية فلأنّه لولاه لا يحكم العقل بالالتزام بأحدهما ؛ لقصر حكم العقل به (١) فيما إذا كان المتعارضان من قبيل تزاحم الحقوق التي يجب على المكلّف تحصيلهما إلاّ أنّه عدم قدرته لهما يوجب سقوط فعلية الطلب لكلّ منهما تعيّنا ، فيجب (٢) أحدهما تخييرا كما ستعرفه (٣) بعيد ذلك في مباحث التعادل والتراجيح ، وأمّا إذا لم يكن كذلك فلا داعي للعقل على التخيير ، فإنّه ينقلب الشبهة بدوية فيصير مورد البراءة فيحكم بالتساقط ؛ لأنّ الأمر دائر بين الدليل وما ليس بدليل ولا حكم للعقل فيه ، وأمّا أنّ الأصلين ليسا كذلك فلأنّ العلم الإجمالي بانتقاض أحد الأصلين في مورد التعارض يوجب انتفاء ما هو المناط في الاعتبار في أحد الأصلين ، فلا يحكم العقل بالتخيير فيهما ، مثلا إذا تعارض استصحاب الطهارة في الماء المتمّم باستصحاب النجاسة (٤) في المتمّم نعلم إجمالا إمّا بطهارة الوارد والمورود أو بنجاستهما ، فإحدى (٥) الحالتين السابقتين منتقضة لا محالة ، وبعد العلم الإجمالي بارتفاع ما هو المناط في حجّية أحد الأصلين لا يبقى حكم التخيير فيهما بوجه ، وذلك نظير ما لو قلنا بأنّ خبر العادل حجّة ، فجاءنا خبران متعارضان ، علمنا إجمالا بأنّ أحدهما خبر الفاسق ، فارتفع ما هو المناط في الاعتبار في أحدهما ، وبعد ذلك فلا وجه للحكم بالتخيير بينهما وذلك ظاهر لا سترة فيه ، ولعلّ ذلك هو المشهور بينهم ؛ إذ لم نجد من حكم بالتخيير بين الأصلين بعد التعارض وإن كان يوهم بعض كلماتهم الترجيح بكثرة الأصول كما يشاهد في مباحث الألفاظ.
قلت : ولعلّه مبنيّ على أنّ الأصل حجّة من جهة الظنّ ، ولا يبعد دعوى الترجيح على تقديره كما لا يخفى.
__________________
(١) « ز ، ك » : ـ به.
(٢) « ز ، ك » : ويجب.
(٣) « ز ، ك » : ستعرف.
(٤) « م » : الطهارة.
(٥) « م » : فأحد.