وبالجملة : فهذه الصورة والاستصحاب العرضي متعاكسان في كيفية العلم بالمشترك والخصوصيات ، فإنّ المعلوم في الأخير هو الخصوصية كالمشكوك والمشترك معلوميته حاصل من معلومية الخصوصية ، بخلاف الصورة هذه فإنّ المعلوم أوّلا هو القدر المشترك ويتبعه الحكم بلزوم الإتيان بالفرد فيستصحب إلى أن يحصل العلم بالارتفاع.
وأمّا الثانية : فكالأولى في جريان الاستصحاب بعد البناء على المسامحة العرفية ، وأظهر الأمثلة في ذلك ما لو تبدّل أحد أفراد الماهيّة المشكّكة المختلفة شدّة وضعفا بالآخر ، كما إذا علمنا بارتفاع السواد الشديد ، ثمّ شككنا في قيام الفرد الضعيف مقامه فإنّهم بانون في مثله على استصحاب مطلق السواد كما يظهر من استصحاب كثرة السهو فيما لو كانت قائمة على فرد شديد معلوم الارتفاع ، ثمّ يشكّ (١) في ارتفاع الماهيّة وانقلاب محلّه متّصفا بضدّه أو اتّصافه بفرد مماثل له في الماهيّة الضعيفة ، وكذا في استصحاب كثرة السفر.
وأمّا الثالثة : فكما إذا علمنا بوجود إنسان في الدار يشكّ في تبدّله حمارا (٢) بعد القطع بارتفاعه ، فالتحقيق عدم جريان الاستصحاب فيه كما هو ظاهر بناء على الدقّة في الموضوع ، وأمّا العرف فقد (٣) يتسامح في مثل ذلك فيحكمون ببقاء الحيوان المشترك ؛ لأنّ القدر المشترك هو ممّا لا يختلف باختلاف الأفراد والمفروض وجوده في الخارج والأصل بقاؤه إلى ثبوت رافعه.
لكنّ الإنصاف أنّ جريان الاستصحاب في بعض أقسام هذه الصورة وبعض الأمثلة فيها كاد أن يكون بطلانه من أجلى البديهيات وأعلى (٤) الضروريات وإن كان الأستاد دام علاه مصرّا على توجيه الاستصحاب فيه مراعاة لمذاق القوم ، وغاية ما
__________________
(١) « ز ، ك » : نشكّ.
(٢) المثبت من « ج » وفي سائر النسخ : حجارا.
(٣) « ج ، م » : + يقال.
(٤) « ز ، ك » : ـ البديهيات وأعلى.