فظهر الفرق بين القواعد الفرعية كنفي الحرج ـ إذ بعد أنّ المجتهد في مقام الاجتهاد علم بأنّ الحكم في الشريعة نفي الحرج في كلّ ما يلازمه أو على بعض الوجوه التي أدّى إليه دليله كوجوب الوفاء بالعقود ، لم يبق للمكلّف حالة منتظرة في العمل به ، إذ الموضوع في تلك القواعد ممّا يرجع الأمر فيه إلى العرف ، والمقلّد منهم ، فيحصل عنده الصغرى من غير احتياج إلى ملاحظة الأدلّة ، والكبرى إنّما حصّلها من المجتهد ، فيعمل بمقتضاهما من غير حاجة إلى شيء آخر ـ وبين (١) الاستصحاب في الأحكام الفرعية ؛ إذ تحصيل الصغرى فيه اجتهادية ويكفي في كونه من مسائل الأصول ، و (٢) ذلك بناء على ما أصّلناه من المعيار ، مضافا إلى ما عرفت من صدق الحدّ عليه ورجوع البحث عنه إلى البحث عن أحوال الموضوع.
لا يقال : إنّ الفحص عن مطلق الدليل لا يجعل البحث اجتهاديا ، بل إذا كان الدليل مثل أخبار الآحاد ، فإنّ ما يرد على خلافها معارض لها على اختلاف وجوه التعارض ، بخلاف الاستصحاب فإنّ الدليل مزيل له.
لأنّا نقول : نعم ، ولكن لا يجدي فيما نحن فيه ؛ إذ لا فرق في عدم إمكان المقلّد أن يكون الدليل مزيلا أو مفيدا كما هو ظاهر.
ومن هنا ينقدح أنّ الأصول العملية التي موضوعاتها (٣) الشكّ البحث عنها في الأحكام الكلّية الفرعية من مسائل الأصول ، ولهذا صرّح المحقّق (٤) في بعضها بكون المسألة أصولية ولا يكفي فيها أخبار الآحاد ، وقد سمعت أنّ تنصيص أهل الخبرة أيضا من المميّزات ، كما أنّه ينقدح أنّ قاعدة الطهارة أيضا من مسائل الأصول ؛ إذ لا فرق بين (٥) استصحاب الطهارة وقاعدتها سوى استناد الحكم في الأوّل (٦) شرعا إلى
__________________
(١) عطف على بين القواعد الفرعية.
(٢) « ج ، م ، ل » : ـ و.
(٣) « ز ، ك ، ل » : موضوعها.
(٤) انظر معارج الأصول : ٢٢٦.
(٥) « ز ، ك ، ل » : فيما بين.
(٦) كذا. والصواب : في الثاني.