غير ممكن الحصول ، وعلى هذا التقدير فلا دلالة فيها على استصحاب القوم وتدلّ على الاستصحاب بالمعنى الذي ذكره.
فكلامه متضمّن لدعويين : الأولى : أنّ المراد بالرواية ليس النهي عن النقض مطلقا بل عند التعارض بالمعنى الذي فسّره وهو أن يكون شيء يوجب اليقين لو لا الشكّ. الثانية : أنّ هذه الرواية بعد ما عرفت المراد منها لا دلالة فيها على استصحاب القوم.
أمّا الأولى فلأنّ ظاهر لفظ النقض في اللغة والعرف هو كسر الشيء إذا كان متّصل (١) الأجزاء خلاف الإبرام ، ولا بدّ في تحقّق (٢) هذا المعنى من اجتماع الناقض والمنقوض ، فإنّ ذلك لا يحصل إلاّ بعد التصادم والتعاند ، ومنه قوله تعالى : ( كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً )(٣) ولا ريب في استحالة إرادة هذا المعنى من الرواية ؛ لامتناع اجتماع الشكّ واليقين فإنّ فرض أحدهما ينافي وجود الآخر ، وعلى تقدير إرادة هذا المعنى من أخبار الباب لا بدّ أن يكون اليقين أمرا متّصلا مستمرّا ، ثمّ ينقطع ذلك الأمر المستمرّ بحدوث الشكّ ، وبطلانه أمر بيّن ، فلا مناص من حملها على خلاف ما هو الظاهر من لفظ النقض على وجه يكون أقرب إلى معناه الحقيقي كما قرّر من لزوم ذلك عند تعذّر الحقيقة ، وأقرب الوجوه إلى المعنى الحقيقي هو أن يكون الشكّ متعلّقا على قضيّة تعلّق بها اليقين قبل حدوث الشكّ ، فيكون المعنى : إذا حصل اليقين بشيء ، ثمّ شكّ في صحّة ذلك اليقين ، فلا بدّ من الأخذ باليقين وعدم الاعتناء بالشكّ ، فإنّه على هذا التقدير (٤) تكون القضيّة المعلومة هي بعينها القضيّة المشكوكة من غير تغاير ، ولا ريب في أقربية هذا المعنى من معنى النقض ؛ لاجتماع الشكّ واليقين في مورد واحد من جميع الوجوه حتّى في الزمان أيضا بالنسبة إلى متعلّقهما وإن كان زمان حصولهما متغايرا.
__________________
(١) « م » : متّصلة.
(٢) « م ، ك » : تحقيق.
(٣) النحل : ٩٢.
(٤) « ز » : التقرير.