والآخر بدليل لبّي قدّم ما حقّه التقديم (١) ، ومن هنا ذكرنا أنّه لو دار الأمر بين ترك القيام أو ترك الطمأنينة تعيّن الصلاة قائماً ، لأنّ الأوّل ثبت بدليل لفظي وهو قوله عليهالسلام : « إذا قوي فليقم » (٢) والثاني بدليل الإجماع ، والمتيقّن منه غير صورة الدوران.
وإذا تكافأ الإطلاقان من غير ترجيح في البين سقطا بالمعارضة لا محالة. وحينئذ فان علمنا إجمالاً بلزوم رعاية إحدى الخصوصيتين المفروض تعذّر الجمع بينهما كالستر وعدم الوقوع فيما لا يؤكل مثلاً لزم التكرار ، عملاً بقاعدة الاشتغال ، فيصلّي عارياً مومئاً تارة ، وفيما لا يؤكل اخرى. وأمّا إذا لم يعلم بذلك كما هو الغالب ، فانّ فرض العلم الإجمالي نادر جدّاً كما لا يخفى فتنتهي النوبة إلى الأصل العملي ، ومقتضاه الرجوع إلى البراءة عن كلّ من الخصوصيتين ، فانّ تعيّن اعتبار خصوص الستر كاعتبار خصوص المانعية في هذه الحالة مشكوك يدفع بأصالة البراءة ، ونتيجته التخيير بين الأمرين ، فلا يجب الجمع بينهما لفرض التعذّر ، ولا يجوز تركهما لعدم الاضطرار ، والضرورات تقدّر بقدرها ، فيتخيّر في الأخذ بأحدهما وترك الآخر ، هذا حكم كبرى المسألة.
وأمّا التطبيق على المقام ، أعني الدوران بين الصلاة عارياً مومئاً وبين إيقاعها فيما لا يؤكل ، فلا ريب في تعيّن الأوّل ، لتقدّم دليل المانعية على دليل شرطية الستر ودليل جزئية الركوع والسجود.
أمّا الأوّل : فلأنّ دليل المانعية ناظر إلى دليل الساتر ومقيّد لإطلاقه ومحدّد لموضوعه ، فهو شارح للمراد منه ، وأنّه يعتبر فيه أن لا يكون مما لا يؤكل فغير المأكول وجوده كعدمه في عدم تحقّق الستر الصلاتي به.
ومنه يظهر وجه تقدّمه على الثاني ، إذ الركوع والسجود وظيفة من يتمكّن
__________________
(١) مصباح الأُصول ٣ : ٣٦٤.
(٢) الوسائل ٥ : ٤٩٥ / أبواب القيام ب ٦ ح ٣.