بالكبرى بمجرده غير صالح للبعث والتحريك بالضرورة ، فالعقاب على مخالفته قبل وصول الصغرى عقاب بلا بيان.
وعليه ففي موارد التكاليف الانحلالية كحرمة شرب الخمر ونحوه لا يكون التكليف منجّزاً ذا بعث أو زجر إلا بعد وصول الكبرى والصغرى معاً ، فلو وصلت إحداهما دون الأُخرى كأن علم بحرمة شرب الخمر ولم يعلم أنّ المائع الخارجي خمر ، أو علم بخمريته ولم يعلم بحرمته لم يتحقق التنجيز حينئذ ، لتقوّمه بكلا الأمرين كما عرفت ، ومعه يكون المورد مجرى لأصالة البراءة الشرعية والعقلية.
وبعبارة اخرى : التكليف المجعول في الكبرى الكلّية ينحلّ حسب تعدد وجود موضوعه في الخارج إلى تكاليف عديدة ، فعند الشك في الانطباق يشكّ في تعلّق التكليف بهذا الفرد المشكوك فيدفع بأصل البراءة عقلاً وشرعاً. والتفكيك بينهما بإجراء البراءة الشرعية دون العقلية بزعم تمامية البيان من قبل المولى كما عن بعض قد ظهر فساده مما مرّ ، بل إمّا أن يجريا معاً أو لا يجري شيء منهما. وتمام الكلام في محلّه (١).
الثالث : أنّ في جريان البراءة وعدمه في دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر الارتباطيين وإن كان بحث عريض وكلام طويل الذيل إلا أنّ الأقوى هو الجريان ، لا لأجل انحلال العلم الإجمالي إلى متيقّن ومشكوك كما في الأقل والأكثر الاستقلاليين ، لاستحالة الانحلال الحقيقي في المقام ، بل لأجل الانحلال الحكمي.
وتوضيحه على سبيل الإجمال : أنّ انحلال العلم الإجمالي إنّما يتحقق فيما إذا رجع المعلوم بالإجمال لدى التأمل إلى معلوم تفصيلي ومشكوك بدوي ، كما هو الحال في موارد الدوران بين الأقل والأكثر الاستقلاليين ، حيث إنّ الأقل معلوم تفصيلاً والزائد عليه يشكّ في وجوبه من أول الأمر ، فيرجع فيه إلى البراءة
__________________
(١) مصباح الأُصول ٢ : ٣٢٣ التنبيه الرابع.