( فِرْقَةٍ ) وإن كان عاما إلاّ أنه قد خصّ بالإجماع على عدم خروج واحد من كل ثلاثة.
وأما السنّة فلأنّه عليهالسلام قبل خبر بريرة في الهدية ، وخبر سلمان في الهدية والصدقة حين أتى بطبق رطب فقال : هذا صدقة فلم يأكل منه ، وأمر أصحابه بالأكل ، ثمّ أتى بطبق رطب وقال : هذا هدية ، فأكل وأمر أصحابه بالأكل. ولأنه عليهالسلام كان يرسل الأفراد من أصحابه إلى الآفاق لتبليغ الأحكام وإيجاب قبولها على الأنام. وهذا أولى من الأول لجواز أن يحصل للنبي عليهالسلام علم بصدقهما ، على أنه إنما يدل على القبول دون وجوبه.
فإن قيل : هذه أخبار آحاد فكيف يثبت به كون خبر الواحد حجة وهو مصادرة على المطلوب؟ قلنا : تفاصيل ذلك وإن كانت آحادا إلاّ أن جملتها بلغت حد التواتر ، كشجاعة علي رضياللهعنه وجود حاتم ، وإن لم يلزم التواتر فلا أقل من الشهرة.
وربما يستدل بالإجماع ، وهو أنه نقل من الصحابة وغيرهم الاستدلال بخبر الواحد وعملهم به في الوقائع المختلفة التي لا تكاد تحصى ، وتكرّر ذلك وشاع من غير نكير ، وذلك يوجب العلم عادة بإجماعهم كالقول الصريح ، وقد دلّ سياق الأخبار على أن العمل في تلك الوقائع كان بنفس خبر الواحد ، وما نقل من إنكارهم بعض أخبار الآحاد إنما كان عن قصور في إفادة الظن ووقوع ريبة في الصدق » (١).
ولقد أكثر العلماء من الأدلة المختلفة في هذه المسألة ، وبلغ القول بحجيّة خبر الواحد حدا من الخطورة ، حتّى ألّف الكثيرون من علماء أهل السنة في هذه المسألة مصنّفات مستقلاّت ، نصّ على ذلك الحافظ النووي حيث قال : « وقد تظاهرت دلائل النصوص الشرعيّة والحجج العقليّة ، على وجوب العمل بخبر.
__________________
(١) التلويح في شرح التوضيح ـ مبحث خبر الواحد.