البيت الطاهرين ، والمخالف لما عليه جميع الأصحاب وأعاظم علماء أهل مذهبه.
ومع التنزّل عن جميع ما ذكر نقول : من المراد من الأبواب في قول البنباني : « بل يجوز أن يكون لها أبواب ، ويكون علي كرم الله وجهه بابا منها »؟ وما الدليل على كونهم أبوابا؟ إن أريد من الأبواب المشايخ الثلاثة ، فيكون للمدينة أربعة أبواب ، فهذا ما ادّعاه العاصمي وأجبنا عنه بالتفصيل. وإن أريد منهم الثلاثة وأبي ومعاذ وزيد بن ثابت وأبو عبيدة وأبو ذر ... فهذا قد ادّعاه العاصمي أيضا ، وسبق أن أجبنا عنه في محلّه. وإن أريد أن جميع الأصحاب هم الأبواب لها ، فهذا ما زعمه القاري ، وقد أبطلناه. وإن أريد من قوله : « يجوز أن يكون لها أبواب » جعل أبواب تخييلية للمدينة ، فإنّ أمير المؤمنين عليهالسلام هو الباب الحقيقي لمدينة العلم ، والبابيّة الحقيقية منحصرة في وجوده الشريف ، ومن هنا قال فخر الدين ابن مكانس المصري في مدحه :
« يا ابن عم النبي إن أناسا |
|
قد توالوك
بالسعادة فازوا |
أنت للعلم في
الحقيقة باب |
|
يا إماما وما
سواك مجاز » (١) |
على أنّ جعل بعض الأصحاب أبوابا للمدينة ـ مع أنّه ثبت بطلانه بوجوه غير محصورة ـ لا ينفع البنباني وغيره على حال من الأحوال ، ومن هنا لم يتفّوه به أحد قبل العاصمي ، وكيف يتخيّل أحد ذلك مع أنه لا مجال له في الحديث أبدا ، ومن هنا ترى الوضّاعين يتصرّفون في الحديث ويضعون له زيادات وألفاظا ركيكة كما رأيت ، ولا تجد أحدا منهم يجرأ على افتعال حديث بلفظ : أنا مدينة العلم وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي ومعاوية أبوابها ، فلو جاز ذلك لوضعوه كما وضعوا الألفاظ الأخرى.
ثم أنّه لو لا دلالة الحديث على اختصاص هذا المقام العظيم بالإمام عليهالسلام لما كانت تلك المكابرات الفاضحة في مقابلة هذا الحديث المخرّج في
__________________
(١) خزانة الأدب لابن حجة الحموي : ٧٥.