ويلك! ما جعل الله ذلك إلّاعند أهل الكتاب الذين أنزل عليهم ، ويلك! ولا هو إلّا عند الخاص من ذرية نبيّنا صلىاللهعليهوآله ، وما ورّثك الله من كتابه حرفاً! فإن كنت كما تقول ـ ولست كما تقول ـ فأخبرني عن قول الله عزوجل : (سِيرُوا فِيهَا لَيَالِي وَأَيَّاماً آمِنِينَ (١)) أين ذلك من الأرض؟ قال : أحسبه ما بين مكّة والمدينة.
فالتفت أبو عبد الله عليهالسلام إلى أصحابه وقال لهم : تعلمون أن الناس يُقطع عليهم بين مكّة والمدينة ، فتؤخذ أموالهم ولا يؤمّنون على أنفسهم ويُقتلون! قالوا : نعم ، وسكت أبو حنيفة.
ثمّ قال له : يا أبا حنيفة ، أخبرني عن قول الله عزوجل : (وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً (٢)) أين ذلك من الأرض؟ قال : الكعبة. قال : أتعلم أن الحجّاج بن يوسف حين وضع المنجنيق على ابن الزبير في الكعبة فقتله ، كان آمناً فيها؟ فسكت أبو حنيفة.
ثمّ قال له : يا أبا حنيفة ، إذا ورد عليك شيء ليس في كتاب الله ولم تأت به الآثار والسنّة كيف تصنع؟ فقال : أصلحك الله ، أقيس وأعمل فيه برأيي! قال : يا أبا حنيفة ، إنّ أوّل من قاس ابليس الملعون ، قاس على ربّنا تبارك وتعالى فقال : (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ (٣)) فسكت أبو حنيفة.
فقال له : يا أبا حنيفة ، أيّهما أرجس : البول أو الجنابة؟ فقال : البول ، قال : فما بال الناس يغتسلون من الجنابة ولا يغتسلون من البول؟! فسكت.
فقال له : يا أبا حنيفة ، أيهما أفضل : الصلاة أو الصوم؟ قال : الصلاة. قال : فما بال الحائض تقضي صومها ولا تقضي صلاتها؟! فسكت.
__________________
(١) سبأ : ١٨.
(٢) آل عمران : ٩٧.
(٣) الأعراف : ١٢ وسورة ص : ٧٦.