إن يكن الأمر على ما يقول هؤلاء (يعني أهل الطواف) وهو على ما يقولون : فقد سلموا وعطبتم! وإن يكن الأمر على ما تقولون ، وليس كما تقولون ؛ فقد استويتم أنتم وهم!
فقلت له : يرحمك الله وأي شيء نقول وأي شيء يقولون؟ ما قولي وقولهم إلّا واحداً (نفاقاً).
قال : كيف يكون قولك وقولهم واحداً وهم يقولون : إنّهم يدينون بأن للسماء إلهاً وأنها عمران ، وأنتم تزعمون أن السماء خراب ليس فيها أحد! وهم يقولون إن لهم معاداً وثواباً وعقاباً!
قال ابن أبي العوجاء : فقلت له : إن كان الأمر كما تقول فما منعه أن يظهر لخلقه ويدعوهم إلى عبادته ، حتّى لا يختلف منهم اثنان؟! فلِم احتجب عنهم وأرسل الرسل؟! ولو باشرهم بنفسه كان أقرب إلى الإيمان به.
فقال لي : وكيف احتجب عنك من أراك قدرته في نشوئك ولم تكن ، وكبرك بعد صغرك ، وقواك بعد ضعفك وضعفك بعد قوتك ، وسقمك بعد صحتك وصحتك بعد سقمك ، ورضاك بعد غضبك وغضبك بعد رضاك ، وحزنك بعد فرحك وفرحك بعد حزنك ، وحبّك بعد بغضك وبغضك بعد حبّك ، وعزمك بعد إبائك وإبائك بعد عزمك ، وشهوتك بعد كراهتك وكراهتك بعد شهوتك ، ورغبتك بعد رهبتك ورهبتك بعد رغبتك ، ورجاك بعد يأسك ويأسك بعد رجائك ، وخاطرك بما لم يكن في وهمك وغروب ما أنت معتقده عن ذهنك ... وما زال يعد عليَّ قدرته في نفسي التي لا أدفعها ، حتّى ظننت أنّه سيظهر على ما بيني وبينه (١) (أي على ضميري).
__________________
(١) التوحيد : ١٢٦ ـ ١٢٧.