سورة الأنبياء
مكية
وعدد آياتها مائة واثنتا عشرة آية
١ ـ ٥ ـ (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ) المعنى : اقترب للناس وقت حسابهم ، يعني القيامة ، كما قال : (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ) ، أي دنا وقت محاسبة الله إياهم ومسألتهم عن نعمه هل قابلوها بالشكر ، وعن أوامره هل امتثلوها ، وعن نواهيه هل اجتنبوها ، وإنما وصف ذلك بالقرب لأنه آت ، وكل ما هو آت قريب ، ولأن أحد أشراط الساعة مبعث رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فقد قال بعثت أنا والساعة كهاتين وأيضا فإن الزمان يقرب بكثرة ما مضى وقلة ما بقي فيكون يسيرا بالإضافة إلى ما مضى (وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ) من دنوّها وكونها (مُعْرِضُونَ) عن التفكر فيها ، والتأهب لها وقيل عن الإيمان بها. وتضمّنت الآية الحثّ على الإستعداد ليوم القيامة (ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ) يعني القرآن (مُحْدَثٍ) أي محدث التنزيل ، مبتدأ التلاوة ، كنزول سورة بعد سورة ، وآية بعد آية (إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ لاهِيَةً قُلُوبُهُمْ) أي لم يستمعوه استماع نظر وتدبر وقبول وتفكر ، وإنما استمعوه استماع لعب واستهزاء وقال ابن عباس معناه يستمعون القرآن مستهزئين غافلة قلوبهم عما يراد بهم (وَأَسَرُّوا النَّجْوَى) أي تناجوا فيما بينهم ، يعني المشركين ؛ ثم بيّن من هم فقال : (الَّذِينَ ظَلَمُوا) أي أشركوا بالله. ثم بيّن سبحانه سرّهم الذي تناجوا به فقال (هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) أي أنه آدمي مثلكم ليس مثل الملائكة (أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ) أي أفتقبلون السحر وأنتم تعلمون أنه سحر ، نفروا الناس عنه بشيئين (أحدهما) انه بشر (والآخر) ان ما أتى به سحر وقيل ان أسروا معناه أظهروا هذا القول فإن هذا اللفظ مشترك بين الإخفاء والإظهار والأول أصح ثم أمر سبحانه نبيّه (ص) فقال (قالَ رَبِّي) الذي خلقني واصطفاني (يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّماءِ وَالْأَرْضِ) أي يعلم أسرار المتناجين لا يخفى عليه شيء من ذلك (وَهُوَ السَّمِيعُ) لأقوالهم (الْعَلِيمُ) بأفعالهم وضمائرهم (بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ) بل للإضراب عما حكى سبحانه أنهم قالوه أولا وللإخبار عما قالوه ثانيا أي قالوا ان القرآن تخاليط أحلام رآها في المنام عن قتادة (بَلِ افْتَراهُ) أي ثم قالوا : لا بل افتراه ، أي تخرصه وافتعله (بَلْ هُوَ شاعِرٌ) أي ثم قالوا : بل هو شاعر ؛ وهذا قول المتحير الذي بهره ما سمع فمرة يقول سحر ، ومرة يقول شعر ، ومرة يقول حلم ، ولا يجزم على أمر واحد ، وهذه مناقضة ظاهرة (فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ) معناه : فليأتنا بآية ظاهرة يستدركها الخاص والعام كما أتى بها الأولون من الأنبياء. قال ابن عباس : بآية مثل الناقة والعصا وقال الزجاج : اقترحوا بالآيات التي لا يكون معها امهال. وفي قوله سبحانه : (ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ) دلالة ظاهرة على أن القرآن محدث لأنه تعالى أراد بالذكر القرآن بدلالة قوله : (وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ) وقوله : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) ، وقد وصفه بأنه محدث ، ويوضحه قوله : (إِلَّا اسْتَمَعُوهُ).
٦ ـ ١٠ ـ لمّا تقدّمت الحكاية عن الكفار بأنهم اقترحوا الآيات قال سبحانه مجيبا لهم (ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها) أي لم يؤمن قبل هؤلاء الكفار من أهل قرية جاءتهم الآيات التي طلبوها فأهلكناهم مصرين على الكفر (أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ) عند مجيئها ؛ هذا اخبار عن حالهم وان سبيلهم سبيل من تقدّم من الأمم طلبوا الآيات فلم يؤمنوا بها وأهلكوا ، فهؤلاء أيضا لو أتاهم ما اقترحوه لم يؤمنوا ولاستحقوا عذاب الإستئصال ، وقد حكم سبحانه في هذه الآية أن لا يعذبهم عذاب الاستئصال فلذلك لم يجبهم في ذلك وقيل ما حكم