ويمضى ابن قتيبة فى حديثه فيقول : وهل يجوز لأحد أن يقول : إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لم يكن يعرف المتشابه ، وإذا جاز أن يعرف مع قوله تعالى : (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ) جاز أن يعرفه الرّبانيون من صحابته. فقد علّم «عليّا» التّفسير ، ودعا لابن عباس فقال : اللهم علّمه التأويل وفقّهه فى الدين.
ثم يقول ابن قتيبة : وبعد. فإنا لم نر المفسرين توقّفوا عن شىء من القرآن فقالوا : هذا متشابه لا يعمله إلا الله : بل أمرّوه كله على التفسير حتى فسروا الحروف المقطّعة فى أوائل السور.
ويقول ابن قتيبة فى تفسير قوله تعالى : (وَما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ) (١) : فإن قال قائل : كيف يجوز فى اللغة أن يعلمه الراسخون فى العلم ، وأنت إذا أشركت الراسخين فى العلم انقطعوا عن «يقولون» ، وليست هاهنا فى نسق توجب للراسخين فعلين؟ قلنا له : إنّ «يقولون» هاهنا فى معنى الحال ، كأنه قال : «والراسخون فى العلم قائلين آمنا به».
(٢) ثم اختلفوا بعد هذا فى تفسير الحروف المقطعة.
١ ـ فمنهم من يجعلها أسماء للسور ، تعرف كل سورة بما افتتحت به منها ، فهى أعلام تدل على ما تدل عليه الأسماء من أعيان الأشياء وتفرّق بينها ، فإذا قال القائل : قرأت «المص» ، أو قرأت «ص» ، أو «ن» دل بذلك على ما قرأ.
ولا يرد هذا أن بعض هذه الأسماء يقع لعدة سور ، مثل ، «حم» و«الم» ، إذ من الممكن التمييز بأن يقول : حم السجدة ، و«الم» البقرة ، كما هى الحال عند وقوع الوفاق فى الأسماء ، فتميّزها بالإضافات ، وأسماء الآباء ، والكنى.
٢ ـ ويجعلها بعضهم للقسم ، وكأن الله عزوجل أقسم بالحروف المقطّعة كلها ، واقتصر على ذكر بعضها من ذكر جميعها ، فقال «الم» ، وهو يريد جميع الحروف المقطّعة ، كما يقول القائل : تعلمت «أب ت ث» وهو لا يريد تعلّم هذه الأحرف دون غيرها من الثمانية والعشرين.
ولقد أقسم الله بحروف المعجم لشرفها وفضلها ، إذ هى مبانى كتابه المنزل على رسوله.
٣ ـ ويجعلها بعضهم حروفا مأخوذة من صفات الله تعالى ، ويكون هذا فنّا من فنون الاختصار عند العرب.
__________________
(١) آل عمران : ٧.
(٢) تأويل مشكل القرآن (٢٣٠ ـ ٢٣٩) لسان العرب (١ : ٤ ـ ٦).