ثم أخذها جعفر ، فقاتل بها ، حتى إذا ألجمه القتال ، اقتحم عن فرس له شقراء فعقرها ثم قاتل القوم حتى قتل ، فكان جعفر أول رجل من المسلمين عقر فى الإسلام ، أخذ اللواء بيمينه فقطعت ، فأخذه بشماله فقطعت ، فاحتضنه بعضديه حتى قتل رضى الله عنه ، وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة ، فأثابه الله بذلك جناحين فى الجنة يطير بهما حيث شاء.
فلما قتل جعفر ، أخذ عبد الله بن رواحة الراية ، ثم تقدم بها ، وهو على فرسه ، فجعل يستنزل نفسه ، ويتردد بعض التردد ، ثم نزل. فلما نزل أتاه ابن عم له بعرق من لحم ، فقال : شد بهذا صلبك ، فإنك قد لقيت فى أيامك هذه ما لقيت ، فأخذه من يده ، ثم انتهش منه نهشة ، ثم سمع الحطمة (١) فى ناحية الناس ، فقال : وأنت فى الدنيا! ثم ألقاه من يده ، ثم أخذ سيفه فتقدم ، فقاتل حتى قتل.
ثم أخذ الراية ثابت بن أقرم ، أخو بنى العجلان ، فقال : يا معشر المسلمين ، اصطلحوا على رجل منكم ، قالوا : أنت ، قال : ما أنا بفاعل ، فاصطلح الناس على خالد بن الوليد ، فلما أخذ الراية دافع القوم ، وحاشى بهم ، ثم انحاز وانحيز عنه ، حتى انصرف بالناس.
ولما أصيب القوم قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : أخذ الراية زيد بن حارثة ، فقاتل بها حتى قتل شهيدا ، ثم أخذها جعفر ، فقاتل بها حتى قتل شهيدا ، ثم صمت رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتى تغيرت وجوه الأنصار ، وظنوا أنه قد كان فى عبد الله بن رواحة بعض ما يكرهون ، ثم قال : ثم أخذها عبد الله بن رواحة ، فقاتل بها حتى قتل شهيدا ، ثم قال : لقد رفعوا إلى فى الجنة ، فيما يرى النائم ، على سرر من ذهب ، فرأيت فى سرير
__________________
(١) الحطمة : زحام الناس.