المفتي في الواقعة بدليل ولا خبر الواحد ، فإنّه لا يمتنع خلو الواقعة عن الحكم الشرعي والرجوع إلى البراءة الأصلية ، وعلى هذا فامتناع خلو الواقعة عن الحكم الشرعي عند الظنّ بخبر الواحد يتوقّف على كون الخبر الواحد حجّة ودليلا ، وكونه حجّة يتوقّف على امتناع خلو الواقعة مع وجوده عن الحكم الشرعي ، وهو دور ممتنع. كيف وإنّا لا نسلّم خلوّ الواقعة عن الحكم الشرعي ، فإنّ حكم الله تعالى عند عدم أدلّة إثبات الحكم الشرعي نفى ذلك الحكم ومدركه شرعي فإنّ انتفاء مدرك الشرع بعد ورود الشرع مدرك شرعي لنفي الحكم.
وفيه نظر ، فإنّ المعتزلة منعوا من خلو واقعة ما عن الحكم الشرعي ، فلا يكون ثبوته متوقّفا على الدليل ، فلا دور ؛ وجعل حكم الله تعالى عند عدم أدلّة إثبات الحكم الشرعي نفي ذلك الحكم وإنّ مدركه شرعي يشتمل على التناقض ؛ بل الوجه أن يقال : إنّ كلّ واقعة فيها حكم شرعي من جملته الإباحة ، وله مدرك شرعي من جملته البراءة الأصلية.
الخامس عشر : لو لم يجب قبول خبر الواحد ، لتعذّر تحقيق بعثة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى جميع أهل العصر ؛ والتالي باطل إجماعا ، ولقوله تعالى : (لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ)(١) ، فالمقدّم مثله.
بيان الشرطية : أنّه لا طريق إلى تعريف أهل العصر إلّا بالمشافهة أو الرسل ؛ والمشافهة متعذّرة في حقّ الجماعة والرسالة إمّا بالتواتر أو الآحاد.
__________________
(١) النحل : ٤٤.