المبحث الحادي عشر : في نسخ الفحوى
اتّفق النّاس كافّة على جواز النسخ بفحوى الخطاب ، كدلالة تحريم التأفيف على تحريم الضرب ، لأنّه إن دلّ على تحريم الضرب لغة ، فاللفظ المفيد للشيء من جهة اللّغة يجوز أن يقع النسخ به ، وإن كان يدلّ من جهة الأولى فهو آكد من اللّفظ ، فجاز النسخ به أيضا.
واتّفقوا على جواز نسخهما معا.
وإنّما اختلفوا في جواز نسخ الأصل دون الفحوى ، وبالعكس ، وأطبق الأكثر على أنّ نسخ الأصل يفيد نسخ الفحوى ، لأنّ الفحوى تابع فلا يتصوّر بقاؤه مع ارتفاع متبوعه.
وأمّا نسخ الفحوى دون الأصل فقد تردّد فيه القاضي عبد الجبار فجوّزه تارة ، لأنّه جار مجرى التنصيص على تحريم التأفيف والضرب ، فكأنّه حرّمهما ، فرفع حكم أحدهما لا يفيد رفع حكم الآخر ، ومنع أخرى ، وهو اختيار أبي الحسين (١) لئلا ينتقض الغرض ، فإنّ الغرض من تحريم التأفيف الإعظام [للوالدين] ، فلو سوّغ الضرب نقض غرضه.
__________________
(١) قال في المعتمد : ١ / ٤٠٤ : فامّا نسخ الفحوى مع ثبات الأصل ، فقد أجازه قاضي القضاة في «كتاب العمد» ، وقال في «شرحه» : يجوز ذلك إلّا أن يكون فيه نقض الغرض. ومنع منه في «الدرس» ، وهو الصحيح.