البحث الخامس : في تعدية التحريم من التأفيف إلى باقي أنواع الأذى
اختلف الناس في إلحاق تحريم الضرب بتحريم التأفيف ، فقيل : إنّه قياس وسمّوه جليا ، وقيل : إنّه ليس بقياس بل العرف نقله عن موضوعه اللغوي إلى المنع من أنواع الأذى.
احتجّ الأوّلون (١) بأنّه لو دلّ تحريم التأفيف على تحريم أنواع الأذى فإمّا بحسب اللغة ، وهو باطل بالضرورة ، لأنّ التأفيف غير الضرب ، فالمنع من التأفيف لا يكون منعا من الضرب.
وإمّا بحسب العرف ، وهو باطل ، لأنّه على خلاف الأصل.
ولأنّه لو ثبت هذا النقل في العرف ، لما حسن من الملك إذا استولى على عدوه أن ينهى الجلّاد عن الاستخفاف به ، وإن كان يأمره بقتله. وإذا بطلت دلالة اللفظ عليه ، علمنا أنّ تحريم الضرب مستفاد من القياس.
وفيه نظر ، لأنّ هذا النقل وإن كان على خلاف الأصل إلّا أنّه مشهور متعارف حتى صار أصلا يقاس عليه ، ولأنّ التعدية أيضا على خلاف الأصل فلم كان أحدهما أولى من الآخر ، وحسن نهي الجلاد عن الاستخفاف لما فيه من الرذالة.
__________________
(١) ذكره الرازي في المحصول : ٢ / ٣٠٢.