المسألتين بنفس الحكم والمصالح ، وإن كانت معتبرة في الشرعيات ؛ فالمضار والمنافع هما المعتبران في العقليات والمعاملات ، لأنّا إنّما ننحو بما نفعله نحو المنافع والخلاص من المضار ، كما أنّا ننحو بالشرائع تحصيل المصالح ، ولأجلها وجبت ، فإذا قام غالب الظنّ في المنافع والمضار العقلية مقام العلم ، مع تجويز كذب المخبر ، فكذلك غالب الظن بصدق المخبر في الشرعيات. ولو جاز أن لا يقبل خبر الواحد في الشرعيات بجواز كذب المخبر ، فيكون ما أخبرنا به مفسدة ، جاز أن لا يقبل خبر الواحد في العقليات لجواز كذب المخبر ، فيلحقنا المضرّة في اتّباعه ، على أنّ قوله : «لا نأمن أن يكون المخبر كاذبا فنكون باتباعه فاعلين للمفسدة» يقتضي المنع من ورود التعبّد بقبول خبره ، لأنّ فعل ما لا نؤمن كونه مفسدة قبيح.
واعترض أيضا قاضي القضاة بأنّ العمل على غالب الظنّ في دفع المضار في الدنيا هو الأصل للعمل على العلم بدفع المضار ، لأنّ أمور الدنيا المستقبلة غير معلومة ، وإنّما هي مظنونة ، ولا يمكن أن يقال : أمور الدين المظنونة هي الأصل لأمور الدين المعلومة.
قال أبو الحسين : إنّه فرق لا يؤثّر في وجه الجمع الّذي ذكرناه ، لأنّه لا يجب إذا أشبه الظن لأمور الدين الظن لأمور الدنيا في وجوب العمل عليها أن يشتبها في كل وجه ، بل لا يمتنع أن يجب العمل عليهما ، ويكون العمل على الظن في الدنيا أصلا للعمل على العلم في أمور الدنيا ، وعلى العمل (١)
__________________
(١) في المصدر : وللعمل.