وقيل : لما كان فيه معنى الفعل صار «كرجل هزأة» أي : يهزأ به ، فلما كان في «الجمعة» معنى التجمع أسكن ؛ لأنه مفعول به في المعنى أو يشبهه ، فصار ك «هزأة» الذي يهزأ به. قاله مكي (١).
وكذا قال أبو البقاء (٢) : هو بمعنى المجتمع فيه ، مثل : رجل ضحكة ، أي يضحك منه.
وقال مكي : يجوز إسكان الميم استخفافا ، وقيل : هي لغة.
وقد تقدم أنها قراءة وأنها لغة تميم.
وقال أبو حيان (٣) : «ولغة بفتحها لم يقرأ بها».
قال شهاب الدين (٤) : «قد نقلها أبو البقاء قراءة ، فقال : ويقرأ ـ بفتح الميم ـ بمعنى الفاعل ، أي : يوم المكان الجامع ، مثل : رجل ضحكة ، أي : كثير الضحك».
وقال مكي (٥) : «وفيه لغة ثالثة ـ بفتح الميم ـ على نسبة الفعل إليها كأنها تجمع الناس ، كما يقال : «رجل لحنة» إذا كان يلحن الناس ، وقرأة إذا كان يقرىء الناس» ، ونقلها قراءة أيضا الزمخشري ، إلا أن الزمخشري (٦) جعل «الجمعة» ـ بالسكون ـ هو الأصل ، وبالمضموم مخففا منه يقال : يوم الجمعة ، يوم الفوج المجموع ، كقولهم : «ضحكة» للمضحوك منه ، ويوم الجمعة ـ بفتح الميم ـ يوم الوقت الجامع ، كقولهم : ضحكة ولعبة ، ويوم الجمعة ، كما قيل : عسرة في عسرة ، وقرىء بهن جميعا.
وتقديره : يوم الوقت الجامع أحسن [من تقدير أبي البقاء يوم](٧) المكان الجامع ؛ لأن نسبة الجمع إلى الطرفين مجاز ، فالأولى إبقاؤه زمانا على حاله (٨).
قال القرطبي (٩) : «وجمعها جمع وجمعان».
وقال ابن عبّاس رضي الله عنهما : نزل القرآن بالتثقيل والتفخيم ، فاقرأوها «جمعة» يعني بضم الميم (١٠).
__________________
(١) ينظر : المشكل ٢ / ٧٣٤.
(٢) ينظر : الإملاء ٢ / ١٢٢٣.
(٣) ينظر : البحر المحيط ٨ / ٢٦٤.
(٤) ينظر : الدر المصون ٦ / ٣١٨.
(٥) ينظر : المشكل ٢ / ٧٣٤.
(٦) ينظر : الكشاف ٤ / ٥٣٢.
(٧) سقط من أ.
(٨) ينظر : الدر المصون ٦ / ٣١٨ ، وقال الزجاج : «وقرئت الجمعة ـ بإسكان الميم ـ ويجوز في اللغة الجمعة ـ بفتح الميم ـ ولا ينبغي أن يقرأ بها إلا أن تثبت بها رواية عن إمام من القراء. فمن قرأ الجمعة فهو تخفيف الجمعة ، لثقل الضمتين ، ومن قال في غير القراءة الجمعة ، فمعناه التي تجمع الناس ، كما تقول : رجل لعنة ، أي يكثر لعن الناس ، ورجل ضحكة ، يكثر الضحك». ينظر معاني القرآن ٥ / ١٧١.
(٩) الجامع لأحكام القرآن ١٨ / ٦٤.
(١٠) ينظر : القرطبي (١٨ / ٦٢.