وروى أبو بردة عن أبي موسى قال : حدثني أبي قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «إذا كان يوم القيامة مثّل لكلّ قوم ما كانوا يعبدون في الدّنيا فيذهب كل قوم إلى ما كانوا يعبدون ويبقى أهل التّوحيد ، فيقال لهم : ما تنتظرون ، وقد ذهب النّاس ، فيقولون : لنا ربّ كنّا نعبده في الدّنيا ، ولم نره ، قال : وتعرفونه إذا رأيتموه؟ فيقولون : نعم ، فيقال لهم : فكيف تعرفونه ، ولم تروه؟ قالوا : إنه لا شبيه له ، فيكشف لهم الحجاب ، فينظرون إلى الله تعالى ، فيخرّون له سجّدا ، ويبقى أقوام ظهورهم كصياصي البقر ، فينظرون إلى الله تعالى فيريدون السّجود ، فلا يستطيعون ، فذلك قوله تعالى : (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ) فيقول الله تعالى : عبادي ارفعوا رءوسكم ، فقد جعلت بدل كل رجل منكم رجلا من اليهود والنصارى في النار» (١) ، قال أبو بردة : فحدثت بهذا الحديث عمر بن عبد العزيز فقال : الله الذي لا إله إلا هو لقد حدثك أبوك بهذا الحديث؟ فحلف له ثلاثة أيمان ، فقال عمر : ما سمعت في أهل التوحيد حديثا هو أحب إليّ من هذا.
قوله (خاشِعَةً). حال من مرفوع «يدعون» و «أبصارهم» فاعل به ، ونسب الخشوع للأبصار وإن كانت الأعضاء كلها كذلك لظهور أثره فيها.
وقوله : (وَهُمْ سالِمُونَ). حال من مرفوع «يدعون» الثانية.
ومعنى (خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ) ، أي : متواضعة (تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ) وذلك أن المؤمنين يرفعون رءوسهم ، ووجوههم أشد بياضا من الثلج ، وتسود وجوه الكافرين والمنافقين حتى ترجع أشد سوادا من القار.
فصل في تقرير كلام أهل اللغة في الساق
قال ابن الخطيب (٢) بعد أن حكى أقوال أهل اللغة في الكشف عن الساق : «واعلم أن هذا اعتراف من أهل اللغة بأن استعماله في الشدة مجاز ، وأجمع العلماء على أنه لا يجوز صرف الكلام إلى المجاز إلا بعد تعذر حمله على الحقيقة ، فإذا أقمنا الدلائل القاطعة على أنه تعالى يستحيل أن يكون جسما ، فيجب حينئذ صرف هذا اللفظ إلى المجاز. واعلم أن صاحب الكشّاف أورد هذا التأويل في معرض آخر ، فقال : الكشف عن السّاق مثل في شدّة الأمر ، فمعنى (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ) يوم يشتد ، ويتعاظم ، ولا كشف ثمّ ولا ساق ، كما تقول : الشحيح يده مغلولة ، ولا يد ثمّ ، ولا غل ، وإنما هو مثل في البخل ، ثم أخذ يعظم علم البيان ويقول : لولاه ما وقفنا على هذه الأسرار ، وأقول : إما أن يدعي أنه يجوز صرف اللفظ عن ظاهره بغير دليل ، أو تقول : لا يجوز ذلك إلا بعد امتناع حمله على الحقيقة ، والأول باطل بالإجماع ، ولأنا إن جوزنا ذلك انفتحت
__________________
(١) تقدم تخريجه.
(٢) ينظر الفخر الرازي ٣٠ / ٨٣.