قوله تعالى : (ثُمَّ عَبَسَ) ، يقال : عبس يعبس عبسا ، وعبوسا : أي : قطب وجهه.
وقال الليث : عبس يعبس فهو عبس إذا قطب ما بين عينيه ، فإذا أبدى عن أسنانه في عبوسه قيل : كلح ، فإن اهتم لذلك ، وفكر فيه قيل : بسر ، فإن غضب مع ذلك قيل : بسل. واعلم أنه ذكر صفات جسمه بعد صفات قلبه ، وهذا يدل على عناده ، لأن من فكر في أمر حسن يظهر عليه الفرح لا العبوس ، والعبس أيضا : ما يبس في أذناب الإبل من البعر ، والبول ؛ قال أبو النجم : [الرجز]
٤٩٦١ ـ كأنّ في أذنابهنّ الشّوّل |
|
من عبس الصّيف قرون الأيّل (١) |
فصل في معنى الآية
معنى الآية : قطب وجهه في وجوه المؤمنين ، وذلك أنه لما قال لقريش أن محمدا ساحر مرّ على جماعة من المسلمين ، فدعوه إلى الإسلام ، فعبس في وجوههم.
وقيل : عبس على النبي صلىاللهعليهوسلم حين دعاه ، والعبس : مصدر «عبس» مخففا ، كما تقدم.
قوله : (وَبَسَرَ) ، يقال : بسر يبسر بسرا وبسورا : إذا قبض ما بين عينيه كراهة للشيء واسود وجهه منه ، يقال : وجه باسر ، أي منقبض مسود كالح متغير اللون ، قاله قتادة والسدي ؛ ومنه قول بشير بن الحارث : [المتقارب]
٤٩٦٢ ـ صبحنا تميما غداة الجفار |
|
بشهباء ملمومة باسره (٢) |
وأهل اليمن يقولون : بسر المركب بسرا ، أي : وقف لا يتقدم ، ولا يتأخر ، وقد أبسرنا : أي صرنا إلى البسور.
وقال الراغب : البسر استعجال الشيء قبل أوانه ، نحو : بسر الرجل حاجته طلبها في غير أوانها ، وماء بسر : متناول من غديره قبل سكونه ، ومنه قيل للذي لم يدرك من التمر : بسر ، وقوله تعالى : (عَبَسَ وَبَسَرَ) ، أي : أظهر العبوس قبل أوانه ، وقبل وقته.
قال : فإن قيل : فقوله تعالى : (وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ) [القيامة : ٢٤] ، ليس يفعلون ذلك قبل الموت ، وقد قلت : إن ذلك يكون فيما يقع قبل وقته.
قيل : أشير بذلك إلى حالهم قبل الانتهاء بهم إلى النار ، فخص لفظ البسر تنبيها على أن ذلك مع ما ينالهم من بعد ، يجري مجرى التكلف ، ومجرى ما يفعل قبل وقته ، ويدل على ذلك (تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ) [القيامة : ٢٥].
__________________
(١) ينظر اللسان (شول) ، و (عبس) ، و (أول) ، والقرطبي (١٩ / ٥٠).
(٢) ينظر اللسان (حضر) و (شهب) ، و (لمم) ، و (بسر) ، والقرطبي ١٩ / ٥٠ ، والدر المصون ٦ / ٤١٦.