أصله ، ولم يؤنث الفعل وهو : «نفخ» ؛ لأن التأنيث مجازي وحسّنه الفصل انتهى.
فصل في النفخة الأولى
قال ابن عباس : هي النفخة الأولى لقيام الساعة ، فلا يبقى أحد إلا مات (١).
قال ابن الخطيب (٢) : لأن عندها يحصل خراب العالم.
فإن قيل : لم قال بعد ذلك (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ) والعرض إنما يكون عند النفخة الثانية؟.
قلت : جعل اليوم اسما للحين الواسع الذي تقع فيه النّفختان ، والصّعقة والنشور ، والوقوف ، والحساب ، فكذلك (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ) كقوله : «جئته عام كذا» وإنّما كان مجيئك في وقت واحد من أوقاته.
وقيل : إنّ هذه النّفخة هي الأخيرة.
وقال : (نَفْخَةٌ واحِدَةٌ) ، أي : لا تثنّى.
قال الأخفش : ووقع الفعل على النّفخة ، إذ لم يكن قبلها اسم مرفوع ، فقيل : نفخة.
قوله : (وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ) ، قرأ العامة : بتخفيف «الميم».
أي : وحملتها الريح ، أو الملائكة ، أو القدرة ، أي : رفعت من أماكنها ، «فدكّتا» أي: فتّتا وكسّرتا ، (دَكَّةً واحِدَةً) أي : الأرض والجبال ؛ لأن المراد الشيئان المتقدمان ، كقوله : (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا) [الحجرات : ٩].
ولا يجوز في «دكّة» إلا النصب ؛ لارتفاع الضمير في «دكّتا» (٣).
وقال الفرّاء : لم يقل : «فدككن» ؛ لأنه جعل الجبال كلها كالجملة الواحدة [والأرض كالجملة الواحدة] ومثله : (أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً) [الأنبياء : ٣٠] ، ولم يقل: «كنّ».
وهذا الدّكّ ، كالزلزلة لقوله تعالى : (إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها) [الزلزلة : ١].
وإما بريح بلغت من قوة عصفها أنّها تحمل الأرض والجبال ، أو بملك من الملائكة ، أو بقدرة الله ، «فدكّتا» ، أي : جملة الأرض ، وجملة الجبال تضرب بعضها في بعض حتى تندق وتصير (كَثِيباً مَهِيلاً) [المزمل : ١٤] ، و (هَباءً مُنْبَثًّا) [الواقعة : ٦].
__________________
(١) ذكره القرطبي في «تفسيره» (١٨ / ١٧١).
(٢) ينظر : الفخر الرازي ٣ / ٩٥.
(٣) القرطبي ١٨ / ١٧٢.