وقال مقاتل : ولو أدلى بعذر أو حجة لم ينفعه ذلك ، نظيره قوله تعالى (وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ)(١) [المرسلات : ٣٦] فالمعاذير على هذا مأخوذة من العذر.
وحكى الماوردي عن ابن عباس : «ولو ألقى معاذيره» أي ولو تجرّد من ثيابه (٢).
قوله تعالى : (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (١٦) إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧) فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (١٨) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ)(١٩)
قوله : (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ).
قال بعض الرافضة : عدم مناسبتها لما قبلها يدل على تغيير القرآن.
قال ابن الخطيب (٣) : وفي مناسبتها (٤) وجوه :
الأول : لعل استعجال الرسول إنما كان عند نزول هذه الآيات.
الثاني : أنه تقدم أن الإنسان يستعجل بقوله : (لِيَفْجُرَ أَمامَهُ) ثم بين أن العجلة مذمومة في أمر الدين ، فقال تعالى : (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ) ، وقال تعالى بعدها : (بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ) [القيامة : ٢٠].
الثالث : أنه قدم (بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ) وكان صلىاللهعليهوسلم إنما يستعجل خشية النسيان ، فقيل له صلىاللهعليهوسلم إن الأمور لا تحصل إلا بتوفيق الله ـ تعالى ـ وإعانته ، فاعتمد على الله ـ تعالى ـ واترك التعجيل.
الرابع : كأنه قيل : غرضك من هذا التعجيل أن تحفظه ، وتبلغه إليهم ليظهر صدقك ، وقبح عنادهم ، لكنهم يعلمون ذلك بقلوبهم ، فلا فائدة في هذا التعجيل.
الخامس : أن الكافر لما قال : «أين المفر»؟ كأنه يطلب الفرار من الله تعالى ، فكن أنت يا محمد على مضادة الكافر ، وفر من غير الله إلى الله.
السادس : قال القفال : الخطاب مع الإنسان المذكور في قوله (يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ) فإذا قيل له : اقرأ كتابك تلجلج لسانه ، فيقال له : لا تعجل ، فإنه يجب علينا بحكم الوعد ، أو بحكم الحكمة أن نجمع أعمالك ونقرأها عليك ، فإذا قرآناه فاتّبع قرآنه بالإقرار (ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ) ، وهذا فيه وعيد شديد وتهويل.
روى الترمذي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال : كان
__________________
(١) ينظر المصدر السابق.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٢ / ٣٣٧) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٤٦٧) وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٣) ينظر الفخر الرازي ٣٠ / ١٩٦.
(٤) في أ : المناسبة.