وعن التاسع : أن الله يفعل ما يشاء ، ويحكم ما يريد.
قوله : (وَأَعْتَدْنا لَهُمْ عَذابَ السَّعِيرِ). لما ذكر منافع الكواكب ، وذكر من جملة تلك المنافع أنها رجوم للشياطين قال بعد ذلك : (وَأَعْتَدْنا لَهُمْ عَذابَ السَّعِيرِ) ، أي : وأعتدنا للشّياطين بعد الإحراق بالشّهب في الدنيا عذاب السّعير في الآخرة ، وهو أشدّ الحريق.
قال المبرد : سعرت النّار فهي مسعورة وسعير ، مثل قوله : مقتولة وقتيل.
وهذه الآية تدل على أن النّار مخلوقة ؛ لأن قوله : (وَأَعْتَدْنا لَهُمْ) خبر عن الماضي.
قوله : (وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا) خبر مقدم في قراءة العامة ، و (عَذابُ جَهَنَّمَ) مبتدؤه.
وفي قراءة الحسن والأعرج (١) والضحاك : بنصب «عذاب» فيتعلق ب «أعتدنا» عطفا على «لهم» و (عَذابُ جَهَنَّمَ) عطف على (عَذابَ السَّعِيرِ) ، فعطف منصوبا على منصوب ، ومجرورا على مجرور ، وأعاد الخافض ، لأن المعطوف عليه ضمير.
والمخصوص بالذّم محذوف ، أي : وبئس المصير مصيرهم ، أو عذاب جهنّم ، أو عذاب السّعير.
فصل في معنى الآية
والمعنى لكل من كفر بالله من الشياطين وغيرهم عذاب جهنم ؛ ليبين أن الشياطين المرجومين مخصوصون بذلك ، ثم إنه ـ تعالى ـ وصف ذلك العذاب بصفات ، أولها قوله تعالى : (إِذا أُلْقُوا فِيها سَمِعُوا لَها شَهِيقاً) يعني الكفار (إِذا أُلْقُوا) طرحوا كما يطرح الحطب في النار العظيمة (سَمِعُوا لَها شَهِيقاً) أي : صوتا.
قال ابن عباس : الشّهيق لجهنم عند إلقاء الكفار فيها كشهيق البغلة للشعير (٢).
وقال عطاء : الشّهيق من الكفّار عند إلقائهم في النار (٣).
وقال مقاتل : سمعوا لجهنم شهيقا (٤).
قال ابن الخطيب (٥) : ولعل المراد تشبيه صوت لهب النّار بالشهيق ، وهو كصوت الحمار.
وقال المبرد : هو ـ والله أعلم ـ تنفس كتنفس التغيّظ.
قال الزجاج (٦) : سمع الكفّار للنار شهيقا ، وهو أقبح الأصوات.
__________________
(١) ينظر : المحرر الوجيز ٥ / ٣٣٩ ، والبحر المحيط ٨ / ٢٩٤ ، والدر المصون ٦ / ٣٤٢.
(٢) ذكره القرطبي في «تفسيره» (١٨ / ١٣٨) عن ابن عباس.
(٣) ينظر المصدر السابق.
(٤) ينظر تفسير القرطبي (١٨ / ١٣٨) عن ابن عباس.
(٥) ينظر : الفخر الرازي ٣٠ / ٥٦.
(٦) ينظر : معاني القرآن ٥ / ١٩٩.