والثاني : أن يكون اسما للفعل مبنيا ، ومعناه : وليك شر بعد شر ، و «لك» تبيين.
فصل في نزول الآية
قال قتادة ومقاتل والكلبي : خرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم من المسجد ذات ليلة فاستقبله أبو جهل على باب المسجد ممّا يلي باب بني مخزوم ، فأخذ رسول الله صلىاللهعليهوسلم بيده ، فهزه مرة أو مرتين ثم قال له رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أولى لك فأولى ، ثمّ أولى لك فأولى» فقال أبو جهل : أتهدّدني؟ فو الله إنّي لأعزّ أهل هذا الوادي وأكرمه ، ولا تستطيع أنت ولا ربّك أن تفعلا بي شيئا ثمّ انسلّ ذاهبا ، فأنزل الله ـ تعالى ـ كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام (١).
ومعنى أولى لك يعني ويل لك ؛ قال الشاعر : [الوافر]
٥٠١٤ ـ فأولى ثمّ أولى ثمّ أولى |
|
وهل للدّرّ يحلب من مردّ؟ (٢) |
وقيل : هو من المقلوب ، كأنه قيل : «ويل» ثم أخر الحرف المعتل ، والمعنى : الويل لك يوم تدخل النار ؛ وهذا التكرير كقوله : [الطويل]
٥٠١٥ ـ ............ |
|
لك الويلات إنّك مرجلي (٣) |
أي لك الويل ثم الويل.
وقيل : معناه الذم لك أولى من تركه.
وقيل : المعنى أنت أولى وأجدر بهذا العذاب.
وقال أبو العباس أحمد بن يحيى : قال الأصمعي «أولى» في كلام العرب معناه مقاربة الهلاك كما تقول : قد وليت الهلاك ، أي دانيت الهلاك ، وأصله من «الولي» وهو القرب ، قال تعالى : (قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ) [التوبة : ١٢٣] أي : يقربون منكم.
قال القرطبي : «وقيل : التكرير فيه على معنى من ألزم لك على عملك السيّىء الأول ثم الثاني والثالث والرابع».
قوله تعالى : (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً (٣٦) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى (٣٧) ثُمَّ كانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (٣٨) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (٣٩) أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى) (٤٠)
قوله : (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ) ، أي : أيظن ابن آدم (أَنْ يُتْرَكَ سُدىً) أي : أن يخلى مهملا ، فلا يؤمر ولا ينهى. قاله ابن زيد ومجاهد (٤).
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٢ / ٣٥١) عن قتادة. وذكره القرطبي «تفسيره» (١٩ / ٧٤).
(٢) تقدم.
(٣) تقدم.
(٤) ذكره الماوردي في «تفسيره» (٦ / ١٥٩) والقرطبي (١٩ / ٧٦).