وقيل : (لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا) ، أي : كفرا (وَلا رَشَداً) أي : هدى ، أي : إنما عليّ التبليغ.
وقيل : الضّرّ : العذاب ، والرشد : النعيم ، وهو الأول بعينه.
وقيل : الضرّ : الموت ، والرشد الحياة.
قوله : (قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللهِ أَحَدٌ) ، أي : لن يدفع عني عذابه أحد إن استحفظته وذلك أنهم قالوا : اترك ما تدعو إليه ، ونحن نجيرك.
وروى أبو الجوزاء عن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال : انطلقت مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم ليلة الجن حتى أتى الحجون فخطّ علينا خطّا ، ثم تقدم إليهم فازدحموا عليه فقال سيد يقال له وردان : أنا أزجلهم عنك ، فقال : (إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللهِ أَحَدٌ) ، ذكره الماورديّ رحمهالله عليه ، قال : ويحتمل معنيين :
أحدهما : لن يجيرني مع إجارة الله لي أحد.
الثاني : لن يجيرني مما قدره الله تعالى علي أحد ، (وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً)(١) أي : ملجأ الجأ إليه ، قاله قتادة ، وعنه نصيرا ومولى.
وقال السدي : حرزا (٢) ، وقال الكلبيّ : مدخلا في الأرض مثل السّرب (٣) ، وقيل : مذهبا ولا مسلكا ، حكاه ابن شجرة ؛ قال الشاعر : [البسيط]
٤٩١٤ ـ يا لهف نفسي ولهفي غير مجزية |
|
عنّي وما من قضاء الله ملتحد (٤) |
و «ملتحدا» مفعول «أحد» لأنها بمعنى «أصيب».
قوله (إِلَّا بَلاغاً) ، فيه وجوه :
أحدها : أنه استثناء منقطع ، أي : لكن إن بلغت عن الله رحمتي ، لأن البلاغ من الله ـ تبارك وتعالى ـ لا يكون داخلا تحت قوله : (وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً). لأنه لا يكون من دون الله ـ عزوجل ـ وبعنايته وتوفيقه.
والثاني : أنّه متصل ، وتأويله ، أن الإجارة مستعارة للبلاغ ، أو هو سببها أو بسبب رحمته تعالى ، والمعنى لن أجد شيئا أميل إليه وأعتصم به إلا أن أبلغ وأطيع فيجيرني ، وإذا كان متصلا جاز نصبه من وجهين :
أحدهما : أن يكون بدلا من «ملتحدا» لأن الكلام غير موجب ، وهذا اختيار الزّجاج.
__________________
(١) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٤٣٨) وعزاه إلى ابن مردويه والبيهقي في «الدلائل».
(٢) ذكره القرطبي (١٩ / ١٨).
(٣) ينظر المصدر السابق.
(٤) ينظر : القرطبي ١٩ / ١٨ ، والبحر المحيط ٨ / ٣٤٦ ، والدر المصون ٦ / ٣٩٧ ، وروح المعاني ٢٩ / ١١٦.