وأن تندرج في العموم ، وترك التبليغ عن الله تعالى أعظم ، فلا يجوز أن تساويه الذنوب التي ليست مثله في العقوبة ، فلا يتعدى هذا الحكم إلى غيره من الذنوب ، أو نقول : إن الله تعالى لم يقيد في سائر عمومات الوعيد في القرآن بالتأبيد إلا في هذه الآية الكريمة فلا بد وأن يكون لهذا التخصيص فائدة ، ومعنى ، وليس المعنى إلا أن يكون هذا الذنب أعظم الذّنوب ، وإذا كان السبب في هذا التخصيص هذا المعنى ، علمنا أن هذا الوعيد مختص بهذا الذنب ، فلا يتعدى إلى غيره من الذنوب فدلت هذه الآية على أن حال سائر المذنبين مخالف لذلك ، أو نقول : (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ) إلا في الكفر وإلا في الزنا وإلا في شرب الخمر ، فإن مذهب القائلين بالوعيد أنّ الاستثناء إخراج ما لولاه كان داخلا تحت اللفظ ، وإذا كان كذلك وجب أن يكون قوله تعالى (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ) متناولا لكل من أتى بكل المعاصي.
فإن قيل : يستحيل العموم هنا لأن من جملة المعاصي التجسيم والتعطيل ، والقائل بالتجسيم يمتنع أن يكون مع ذلك قائلا بالتعطيل.
قلنا : يخص هذا بدليل الفعل فيحمل على جميع ما لا يستحيل اجتماعه.
فصل في أن الأمر للوجوب
دلت هذه الآية على أن الأمر مقيد بالوجوب لأن تارك المأمورية عاص لقوله : (أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي) [طه : ٩٣] ، (لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ) [مريم : ٦] ، (وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً) [الكهف : ٦٩].
والعاصي مستحق للعقاب لقوله تعالى (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ).
قوله : (حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ).
قال الزمخشريّ : فإن قلت : بم تعلق حتى ، وجعل ما بعده غاية له؟.
قلت : بقوله : (يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً) على أنهم يتظاهرون عليه بالعداوة ، ويستضعفون أنصاره ، ويستقلون عددهم (حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ) من يوم بدر ، وإظهار الله عليهم ، أو من يوم القيامة (فَسَيَعْلَمُونَ) حينئذ (مَنْ أَضْعَفُ ناصِراً).
قال : ويجوز أن يتعلق بمحذوف دلت عليه الحال من استضعاف الكفار ، واستقلالهم لعددهم ، كأنه قال لا يزالون على ما هم عليه ، حتى إذا رأوا ما يوعدون ، قال المشركون : متى هذا الوعد؟ إنكارا له.
فقال : «قل» : إنه كائن لا ريب فيه.
قال أبو حيان (١) : قوله : بم تعلق ، إن عنى تعلق حرف الجر فليس بصحيح لأنها
__________________
(١) ينظر : البحر المحيط ٨ / ٣٥٤.