رغبتني في جمع المال ، ثم نادوا على أنفسهم بالويل فقالوا : (يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ) أي : عاصين بمنع حق الفقراء ، وترك الاستثناء.
وقال ابن كيسان : طغينا نعم الله ، فلم نشكرها كما شكرها آباؤنا من قبل (عَسى رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْها) تعاقدوا وقالوا : إن أبدلنا الله خيرا منها لنصنعنّ كما صنع آباؤنا فدعوا الله وتضرعوا فأبدلهم الله من ليلتهم ما هو خير منها.
قرىء (١) : «يبدلنا» بالتخفيف والتشديد ، وهما لغتان.
وقيل : التبديل تغير الشيء ، أو تغير حاله وعين الشيء قائم ، والإبدال رفع الشيء ووضع آخر مكانه ، ثم قال : (إِنَّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ) أي : طالبون منه الخير راجعون لعفوه.
قال المفسرون : إن الله أمر جبريل عليهالسلام أن يقتلع تلك الجنة ، بزغر من أرض الشام ، ويأخذ من أرض الشام جنة ، فيجعلها مكانها.
وقال ابن مسعود : إن القوم لما أخلصوا وعرف الله منهم صدقهم أبدلهم الله جنة يقال لها : الخيوان فيها عنب يحمل البغل منها عنقودا واحدا (٢).
وقال أبو خالد اليماني : دخلت تلك الجنة ، فرأيت كلّ عنقود منها كالرّجل الأسود القائم.
وقال الحسن : قول أهل الجنة : (إِنَّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ) لا أدري إيمانا كان ذلك منهم ، أو على حد ما يكون من المشركين إذا أصابهم الشدة. فتوقف في كونهم مؤمنين (٣).
وسئل قتادة عن أهل الجنّة ، أهم من أهل الجنّة أم من أهل النّار؟.
قال : لقد كلفتني تعبا (٤).
والأكثرون يقولون : إنهم تابوا وأخلصوا. حكاه القشيري.
قوله : (كَذلِكَ الْعَذابُ). مبتدأ وخيره مقدم ، أي : مثل ذلك العذاب عذاب الدنيا وأما عذاب الآخرة فأكبر منه (لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ).
قال ابن زيد : (كَذلِكَ الْعَذابُ) أي : عذاب الدنيا وهلاك الأموال (٥).
وقيل : هذا وعظ لأهل مكة بالرجوع إلى الله لما ابتلاهم بالجدب لدعاء النبي صلىاللهعليهوسلم أي : كفعلنا بهم نفعل بمن تعدى حدودنا في الدنيا (وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ).
__________________
(١) ينظر : الكشاف ٤ / ٥٩٢ ، والمحرر الوجيز ٥ / ٣٥ ، وقال ابن عطية : وقرأ «يبدلنا» بسكون الباء وتخفيف الدال جمهور القراء والحسن وابن محيصن والأعمش ، وقرأ نافع وأبو عمرو بالتثقيل وفتح الباء.
(٢) ذكره البغوي في «تفسيره» (٤ / ٣٨١).
(٣) ذكره القرطبي في «تفسيره» (٢٨ / ١٦٠).
(٤) ينظر المصدر السابق.
(٥) ينظر المصدر السابق.