وإن أساء رجل إلى رجل ، بأن فزعه بغير حق ، أو غمه ، أو لطمه ، أو صفعه بغير حق ، أو ضربه بسوط وآلمه ، ثم جاءه مستعفيا نادما على ما كان منه عازما على ألا يعود فلم يزل يتذلل له ، حتى طابت نفسه فعفا عنه ، سقط الذّنب عنه ، وهكذا إن شتمه بشتم لا حدّ فيه.
قوله : (عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ).
«عسى» من الله واجبة ، وهو معنى قوله ـ عليه الصلاة والسلام : «التّائب من الذّنب كمن لا ذنب له» (١).
و «أن» في موضع نصب.
قوله : (وَيُدْخِلَكُمْ). معطوف على «يكفّر».
قرأ العامة : بالنصب.
وابن أبي عبلة (٢) : بسكون اللام.
فاحتمل أن يكون من إجراء المنفصل مجرى المتصل ، فسلبت الحركة ؛ لأنه يتحلل من مجموع (يُكَفِّرَ عَنْكُمْ) مثل «نطع وقمع» فيقال : فيهما : نطع وقمع.
ويحتمل أن يكون عطفا على مح ل «عسى أن يكفر» كأنه قيل : توبوا يوجب تكفير سيئاتكم ، ويدخلكم ، قاله الزمخشري (٣).
يعني أن «عسى» في محل جزم جوابا للأمر ؛ لأنه لو وقع موقعها مضارع لا نجزم كما مثل به الزمخشري.
وفيه نظر ؛ لأنا لا نسلم أن «عسى» جواب ولا تقع جوابا ؛ لأنها للإنشاء.
قوله : (يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَ).
«يوم» منصوب ب «يدخلكم» ، أو بإضمار «اذكر».
ومعنى «يخزي» هنا : يعذب ، أي : لا يعذبه ، ولا يعاقب الذين آمنوا معه.
قالت المعتزلة : قوله تعالى : (يَوْمَ لا يُخْزِي اللهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ) يدل على أنه لا يعذب الذين آمنوا ؛ لأن الإخزاء يقع بالعذاب ، ولو كان أصحاب الكبائر من أهل الإيمان لم يخفف عليهم العذاب.
قال ابن الخطيب (٤) : وأجاب أهل السّنة بأنه ـ تعالى ـ وعد أهل الإيمان بألّا يخزيهم.
__________________
(١) تقدم.
(٢) ينظر : الكشاف ٤ / ٥٧٠ ، والدر المصون ٦ / ٣٣٨.
(٣) ينظر : الكشاف ٤ / ٥٧٠.
(٤) ينظر : الفخر الرازي ٣٠ / ٤٣.