بدل من الضمير في «لكم» بدل بعض من كل ، وقد تقدّم مثله في «الأحزاب» (١).
والضمير في «فيهم» عائد على «إبراهيم» ومن معه ، وكررت «الأسوة» تأكيدا (٢).
وفيه بيان أن هذه الأسوة لمن يخاف الله ، ويخاف عذاب الآخرة (٣) ، (وَمَنْ يَتَوَلَ) أي: يعرض عن الإيمان ويتول الكفّار (فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُ) عن خلقه ، أي : لم يتعبدهم لحاجته إليهم (الْحَمِيدُ) إلى أوليائه وأهل طاعته.
وقيل : الحميد في نفسه وصفاته (٤).
قوله تعالى : (عَسَى اللهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً).
قال المفسرون (٥) : لمّا نزلت الآية الأولى عادى المسلمين أقرباؤهم من المشركين ، فعلم الله شدّة وجد المسلمين في ذلك فنزلت : (عَسَى اللهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً) أي : من كفار «مكة» ، وقد فعل الله ذلك ؛ لأن «عسى» من الله وعد ، ولا يخلف الله وعده ، وهذا بأن يسلم الكافر ، وقد أسلم قوم منهم بعد فتح «مكة» ، وخالطهم المسلمون كأبي سفيان بن حرب ، والحارث بن هشام ، وسهيل بن عمرو ، وحكيم بن حزام.
وقيل : المودة تزويج النبي صلىاللهعليهوسلم أم حبيبة بنت أبي سفيان فلانت عندئذ عريكة أبي سفيان.
قال ابن عبّاس رضي الله عنهما : كانت المودّة بعد الفتح تزويج النبي صلىاللهعليهوسلم أمّ حبيبة بنت أبي سفيان قال ابن عباس : وكانت تحت عبد الله بن جحش ، وكانت هي وزوجها من مهاجرة الحبشة ، فأما زوجها فتنصّر ، وسألها أن تتابعه على دينه ، فأبت وصبرت على دينها ، ومات زوجها على النصرانية ، فبعث النبي صلىاللهعليهوسلم إلى النجاشي فخطبها ، فقال النجاشي لأصحابه : من أولاكم بها؟ قالوا : خالد بن سعيد بن العاص ، قال : فزوجها من نبيكم ففعل وأمهرها النجاشي من عنده أربعمائة دينار (٦).
وقيل : خطبها النبي صلىاللهعليهوسلم إلى عثمان بن عفّان ، فلما زوجه إياها بعث النبي صلىاللهعليهوسلم إلى النجاشي فيها ، فساق عنه المهر ، وبعث بها إليه ، فقال أبو سفيان وهو مشرك لما بلغه تزويج النبي صلىاللهعليهوسلم ابنته : وذلك الفحل لا يقدع أنفه.
قال ابن الأثير (٧) : «يقال : قدعت الفحل وهو أن يكون غير كريم ، فإذا أراد ركوب
__________________
(١) آية رقم (٢١).
(٢) ينظر : الدر المصون ٦ / ٣٠٥.
(٣) ينظر : الرازي ٢٩ / ٢٦٢.
(٤) ينظر : القرطبي ١٨ / ٣٩.
(٥) ينظر : القرطبي السابق.
(٦) ذكره القرطبي في «تفسيره» (١٨ / ٣٦) عن ابن عباس.
(٧) ينظر : النهاية ٤ / ٢٤.