قياسا على الإطعام الواجب في الكفارة. والصواب المقطوع به ما عليه الأمة علما وعملا قديما وحديثا لقول الله تعالى : (رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) ، وقوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ لهند : «خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف» (١) ، ولم يقدر لها نوعا ولا قدرا ، ولو كان ذلك مقدّرا بشرع لبينه لها قدرا ونوعا كما بين فرائض الزكوات والديات.
وقال ـ عليه الصلاة والسلام ـ في خطبته ب «عرفات» : «ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف» (٢).
ومن المعلوم أن الكفاية بالمعروف تتنوع بحال الزوجة في حاجتها ، وبتنوع الزمان والمكان وبتنوع حال الزوج في يساره وإعساره ، فليست كسوة القصيرة الضئيلة ككسوة الطويلة الجسيمة ، ولا كسوة الشتاء ككسوة الصيف ولا كفاية طعام الشتاء مثل طعام الصيف ولا طعام البلاد الحارّة كالباردة ، ولا المعروف في بلاد التمر والشعير كالمعروف في بلاد الفاكهة والخبز.
وقال ـ عليه الصلاة والسلام ـ للذي سأله : ما حقّ زوجة أحدنا عليه؟.
قال : «تطعمها إذا أكلت ، وتكسوها إذا اكتسيت ، ولا تضرب الوجه ولا تقبّح ولا تهجر إلّا في البيت» (٣).
وهكذا قال في نفقة المماليك : «هم إخوانكم وخولكم جعلهم الله تحت أيديكم فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه ممّا يأكل ، وليلبسه ممّا يلبس ولا تكلّفوهم ما يغلبهم فإن كلّفتموهم فأعينوهم» (٤).
ففي الزوجة والمملوك أمر واحد ، فالواجب على هذا هو الرزق والكسوة بالمعروف في النوع ، والقدرة ، وصفة الإنفاق.
فأما النوع فلا يتعين أن يعطيها مكيلا كالبرّ ، ولا موزونا كالخبز ، ولا ثمن ذلك كالدّراهم ، بل يرجع في ذلك إلى العرف ، فإذا أعطاها كفايتها بالمعروف مثل أن تكون عادتهم أكل التّمر والشعير فيعطيها ذلك ، أو تكون عادتهم أكل الخبز والأدم ، فيعطيها ذلك والطبيخ ، فيعطيها ذلك ، وإن كان عادتهم أن يعطيها حبا فتطحنه في البيت فعل
__________________
(١) أخرجه البخاري (٤ / ٤٧٣ ـ ٤٧٤) كتاب البيوع ، باب : من أجرى أمر الأمصار على ما يتعارفون بينهم حديث (٢٢١١) ومسلم (٣ / ١٣٣٨) كتاب الأقضية ، باب : قضية هند حديث (٧ / ١٧١٤) من حديث عائشة.
(٢) تقدم.
(٣) أخرجه الإمام أحمد في «مسنده» (٤ / ٤٤٦).
(٤) أخرجه البخاري ١٠ / ٤٨٠ في الأدب ، باب ما ينهى من السباب واللعن (٦٠٥٠) ، ومسلم ٣ / ١٢٨٢ ـ ١٢٨٣ ، في الإيمان ، باب إطعام المملوك مما يأكل وإلباسه مما يلبس ولا يكلفه ما يغلبه (٣٨ ـ ١٦٦١).