[٦٦١] فإن قيل : الطور وهو الجبل ليس له يمين ، ولا شمال ، فكيف قال تعالى : (مِنْ جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ) [مريم : ٥٢]؟
قلنا : خاطب الله تعالى العرب بما هو معروف في استعمالهم ، فإنهم يقولون عن يمين القبلة وشمالها ، يعنون ما يلي يمين المستقبل لها وشماله ؛ لأن القبلة لا بدّ لها لتكون لها يمين وشمال. وهذا اتساع منهم في الكلام لعدم اللبس. فالمراد بالأيمن هنا ما عن يمين موسى عليهالسلام من الطور ؛ لأن النداء جاءه من قبل يمينه ، هذا إن كان الأيمن ضد الأيسر من اليمين ، وإن كان من اليمن وهو البركة من قولهم : يمن فلان قومه فهو يامن ، أي كان مباركا عليهم. فلا إشكال ؛ لأنّه يصير معناه : من جانب الطور المبارك.
[٦٦٢] فإن قيل : كيف قال تعالى : (وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا) [مريم : ٥٣] وهارون كان أكبر من موسى عليهماالسلام فما معنى هبته له؟
قلنا : معناه أن الله تعالى أنعم على موسى عليه الصلاة والسلام بإجابة دعوته فيه حيث قال : (وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هارُونَ أَخِي) [طه : ٢٩ و ٣٠] الآية فقال : (سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ) [القصص : ٣٥] فالمراد بالهبة أنه جعله عضدا له وناصرا ومعينا كذا فسره ابن عباس رضي الله عنهما.
[٦٦٣] فإن قيل : كيف وصف الله تعالى النبيين المذكورين في قوله : (أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ) [مريم : ٥٨] الآية بقوله تعالى : (إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيًّا) [مريم : ٥٨] والمراد بآيات الرحمن القرآن ، والقرآن لم يتل على أحد من الأنبياء المذكورين؟
قلنا : آيات الرحمن غير مخصوصة بالقرآن ؛ بل كل كتاب أنزله الله تعالى ففيه آياته ، ولو سلمنا أن المراد بها القرآن فنقول : إن المراد بقوله : (وَمِمَّنْ هَدَيْنا وَاجْتَبَيْنا) [مريم : ٥٨] محمد صلىاللهعليهوسلم وأمته.
[٦٦٤] فإن قيل : قوله تعالى : (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ) [مريم : ٥٩ ، ٦٠] يدل على أن ترك الصلاة وإضاعتها كفر ؛ لأنه شرط في توبة مضيعها الإيمان؟
قلنا : قال ابن عباس رضي الله عنهما : المراد بهؤلاء الخلف هنا اليهود تركوا الصلاة المفروضة وشربوا الخمر واستحلوا نكاح الأخت من الأب.
[٦٦٥] فإن قيل : كيف قال تعالى : (إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا) [مريم : ٦١] ولم يقل آتيا ، كما قال تعالى : (إِنَّ ما تُوعَدُونَ لَآتٍ) [الأنعام : ١٣٤]؟