سورة النور
[٧٣٤] فإن قيل : كيف قدّمت المرأة في آية حدّ الزنا ، وقدّم الرجل في حد السرقة؟
قلنا : لأن الزنا إنما يتولد من شهوة الوقاع ، وشهوة المرأة أقوى وأكثر ، والسرقة إنما تتولد من الجسارة والجراءة والقوة ، وذلك في الرجل أكثر وأقوى.
[٧٣٥] فإن قيل : كيف قدم الرجل في قوله تعالى : (الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ) [النور : ٣].
قلنا : لأن الآية الأولى سبقت لعقوبتهما على ما جنيا ، والمرأة هي الأصل في تلك الجناية لما ذكرنا. والآية الثانية سبقت لذكر النكاح ، والرجل هو الأصل فيه عرفا ؛ لأنه هو الراغب والخاطب والبادئ بالطلب ، بخلاف الزنا فإن الأمر فيه بالعكس غالبا.
[٧٣٦] فإن قيل : كيف قال تعالى : (الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً) ، أي لا يتزوج (وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ) [النور : ٣] ونحن نرى الزاني ينكح العفيفة والمسلمة ، والزانية ينكحها العفيف والمسلم؟
قلنا : قال عكرمة نزلت هذه الآية في بغايا موسرات كنّ بمكة ، وكانت بيوتهن تسمى في الجاهلية المرضية ، وكان لا يدخل عليهن إلا زان من أهل القبلة ، أو مشرك من أهل الأوثان ، فأراد جماعة من فقراء المهاجرين أن ينكحوهن فنزلت هذه الآية زجرا لهم عن ذلك.
[٧٣٧] فإن قيل : ما فائدة دخول «من» في غض البصر دون حفظ الفرج في قوله تعالى : (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ) [النور : ٣٠].
__________________
[٧٣٦] عكرمة : هو عكرمة بن عبد الله البربري المدني ، أبو عبد الله ، مولى ابن عباس. تابعي ولد سنة ٢٥ ه وتوفي سنة ١٠٥ ه. حدّث كثيرا عن مولاه عبد الله بن عباس. كان من الخوارج ، وذهب إلى نجدة الحروري فأقام عنده ، ثم رجع يحدث عنه. ذهب إلى بلاد المغرب وعنه أخذ بعضهم مذهب الصفرية من الخوارج. كان مبغضا لأهل البيت. عاش آخر أيامه بالمدينة. وضعّفه كثير من علماء رجال الحديث.