سورة الدخان
[٩٩٢] فإن قيل : الخلاف بين النبي صلىاللهعليهوسلم ومنكري البعث إنما كان في الحياة بعد الموت لا في الموت ، فكيف قال تبارك وتعالى : (إِنَّ هؤُلاءِ لَيَقُولُونَ إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولى) [الدخان : ٣٤ ، ٣٥] ولم يقل إلا حياتنا ، كما قال تعالى في موضع آخر (إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا) [الأنعام : ٢٩] وما معنى وصف الموتة بالأولى ، كأنهم وعدوا موتة أخرى حتى نفوها وجحدوها وأثبتوا الموتة الأولى؟
قلنا : لما وعدوا موتة تكون بعدها حياة نفوا ذلك ، كأنهم قالوا لا تقع في الوجود موتة تكون بعدها حياة إلا ما كنا فيه من موتة العدم وبعثنا منه إلى حياة الوجود. وقيل : إنهم نفوا بذلك الموتة الثانية في القبر بعد إحيائهم لسؤال منكر ونكير.
[٩٩٣] فإن قيل : كيف قال تعالى : (ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذابِ الْحَمِيمِ) [الدخان : ٨٤] والعذاب لا يصب ، وإنما يصب الحميم كما قال في موضع آخر (يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ) [الحج : ١٩] قلنا : هو استعارة ليكون الوعد أهول وأهيب ، ونظيره قوله تعالى : (فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذابٍ) [الفجر : ١٣] وقوله تعالى : (أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً) [البقرة : ٢٥٠] ، وقول الشاعر :
صبّت عليهم صروف الدّهر من صبب
[٩٩٤] فإن قيل : كيف وعد الله أهل الجنة بلبس الإستبرق وهو غليظ الديباج في قوله تعالى : (يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ) [الدخان : ٥٣] مع أن لبس الغليظ من الديباج عند السعداء من أهل الدنيا عيب ونقص؟
قلنا : كما أن رقيق ديباج الجنة وهو السندس لا يماثل رقيق ديباج الدنيا إلا في الاسم فقط ، فكذلك غليظ ديباج الجنة. وقيل السندس لباس السادة من أهل الجنة ، والإستبرق لباس العبيد والخدم إظهارا لتفاوت المراتب.
[٩٩٥] فإن قيل : كيف قال تعالى ، في وصف أهل الجنة : (لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى) [الدخان : ٥٦] مع أن الموتة الأولى لم يذوقوها في الجنة؟