سورة الفتح
[١٠٠٧] فإن قيل : كيف جعل فتح مكّة علة للمغفرة ، فقال تعالى : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ) [الفتح : ١ ، ٢] الآية.
قلنا : لم يجعله علة للمغفرة ؛ بل لاجتماع ما وعده من الأمور الأربعة ، وهي المغفرة وإتمام النعمة وهداية الصراط المستقيم والنصر العزيز ، وقبل الفتح لم يكن إتمام النعمة والنصر العزيز حاصلا ، وإن كان الباقي حاصلا. ويجوز أن يكون فتح مكّة سببا للمغفرة ، من حيث أنّه جهاد للعدو.
[١٠٠٨] فإن قيل : قوله تعالى : (ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) [الفتح : ٢] ، إن كان المراد بما تأخر ذنبا يتأخر وجوده عن الخطاب بهذه الآية فهو معدوم عند نزولها ، فكيف يغفر الذنب المعدوم ، وإن كان المراد به ذنبا وجد قبل نزولها فهو متقدم فكيف سماه متأخرا.
قلنا : المراد بما تقدم قصة مارية ، وبما تأخر قصة امرأة زيد. وقيل : المراد بما تقدم ما وجد منه ، وبما تأخر ما لم يوجد منه على معنى أنه موعود بمغفرته على تقدير وجوده ، أو على طريق المبالغة كقولهم : فلان يضرب من يلقاه ومن لا يلقاه ؛ بمعنى يضرب كل أحد ، فكذا هنا معناه ليغفر لك الله كل ذنب : فالحاصل أن الذنب المتأخر متقدم على نزول الآية ، وإن كان متأخرا بالنسبة إلى شيء آخر قبله أو متأخرا عن نزولها وهو موعود بمغفرته ، أو على طريق المبالغة كما بينا.
[١٠٠٩] فإن قيل : ما معنى قوله : (وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً) [الفتح : ٢] وهو مهدي إلى الصراط المستقيم ، ومهدي به أمته أيضا؟
قلنا : معناه ويزيدك هدى ، وقيل : ويثبتك على الهدى ، وقيل : معناه ويهديك صراطا مستقيما في كل أمر تحاوله.
[١٠١٠] فإن قيل : كيف يقال إن الإيمان لا يقبل الزيادة والنقصان وقد قال الله تعالى : (لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ) [الفتح : ٤]؟
قلنا : الإيمان الذي يقال إنه لا يقبل الزيادة والنقصان هو الإقرار بوجود الله تعالى ، كما أن إلهيته لا تقبل الزيادة والنقصان ، فأما الإيمان بمعنى الأمن أو اليقين أو التصديق فإنه