سورة الانفطار
[١١٧٩] فإن قيل : لأيّ فائدة تخصيص ذكر صفة الكرم دون سائر صفاته في قوله تعالى : (ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ) [الانفطار : ٦]؟
قلنا : قال بعضهم : إنّما قال ذلك لطفا بعبده وتلقينا له حجته وعذره ليقول : غرّني كرم الكريم. وقال الفضيل رحمهالله : لو سألني الله تعالى هذا السؤال لقلت : غرّني ستورك المرخاة. وروي أنّ عليّا كرم الله وجهه صاح بغلام له مرات فلم يلبه ، ثم أقبل فقال : مالك لم تجبني؟ فقال : لثقتي بحلمك وأمني عقوبتك ، فاستحسن جوابه وأعتقه. ولهذا قالوا : من كرم الرجل سوء أدب غلمانه. والحقّ أنّ الواجب على الإنسان أن لا يغتر بكرم الله تعالى وجوده في خلقه إياه وإسباغه النعمة الظاهرة والباطنة عليه فيعصيه ويكفر نعمته اغترارا بتفضّله الأول ، فإن ذلك أمر منكر خارج عن حدّ الحكمة ، ولهذا قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لما قرأها : غرّه جهله. وقال عمر رضي الله تعالى عنه : غره حمقه وجهله. وقال الحسن : غره والله شيطانه الخبيث الذي زين له المعاصي ، فقال له : افعل ما شئت فإن ربك كريم.
[١١٨٠] فإن قيل : كيف قال الله تعالى : (يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً) [الانفطار : ١٩] والنفوس المقبولة الشفاعة تملك لمن شفعت فيه شيئا وهو الشفاعة؟
قلنا : المنفي ثبوت النصرة بالملك والسلطنة والشفاعة ليست بطريق الملك والسلطنة فلا تدخل في النفي ، ويؤيده قوله تعالى : (وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ) [الانفطار : ١٩]. وقال مقاتل : المراد بالنفس الثانية الكافرة ، والأصح أنه على العموم في النفسين.