سورة هود عليهالسلام
[٤٣٩] فإن قيل : كيف قال تعالى : (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ) [هود : ٣] مع أن التوبة مقدمة على الاستغفار؟
قلنا : المراد استغفروا ربكم من الشرك ثم ارجعوا إليه بالطاعة ، كذا قاله مقاتل. وهذا الاستغفار مقدّم على هذه التّوبة.
الثاني : أن فيه تقديما وتأخيرا.
الثالث : قال الفراء : ثم هنا بمعنى الواو ، وهي لا تفيد ترتيبا فاندفع السؤال.
[٤٤٠] فإن قيل : من لم يستغفر ولم يتب فإن الله يمتعه متاعا حسنا إلى أجله ، أي يرزقه ويوسع عليه كما قال ابن عباس ، أو يعمره كما قال ابن قتيبة ، فما فائدة قوله تعالى : (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) [هود : ٣]؟
قلنا : قال غيرهما المتاع الحسن المشروط بالاستغفار والتوبة هو الحياة في الطاعة والقناعة ، ومثل هذه الحياة إنما تكون للمستغفر التائب التقي.
[٤٤١] فإن قيل : قوله تعالى : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ) [هود : ٦] كيف لم يقل على الأرض ؛ مع أنه أشد مناسبة لتفسير الدابة لغة فإنها ما يدب على وجه الأرض؟
قلنا : في هنا بمعنى على ، كما في قوله تعالى : (وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ) [طه : ٧١] وقوله تعالى : (أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ) [الطور : ٣٨].
الثاني : أن لفظة «في» أعم وأشمل ، لأنها تتناول كل دابة على وجه الأرض وكل دابة في باطن الأرض بخلاف على.
[٤٤٢] فإن قيل : كيف خص الدّابة بذكر ضمان الرزق ، والطير كذلك رزقه على الله تعالى ، وهو غير الدّابة ، بدليل قوله تعالى : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ) [الأنعام : ٣٨]؟
قلنا : إنما خص الدابة بالذكر ؛ لأنّ الدواب أكثر من الطيور عددا ، وفيها ما هو أكبر جثة من كل فرد من أفراد الطير كالفيل والحوت ، فيكون أحوج إلى الرزق ، فلذلك خصه بالذكر.
[٤٤٣] فإن قيل : كيف قال الله تعالى : (إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُها) [هود : ٦] وعلى