سورة الزمر
[٩٤٨] فإن قيل : كيف قال تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ) [الزمر : ٣] ، وكم من كاذب كفار قد هداه الله تعالى فأسلم وصدق؟
قلنا : معناه لا يهديه إلى الإيمان ما دام على كفره وكذبه. وقيل معناه : لا يهديه إلى حجة يلزم بها المؤمنين.
[٩٤٩] فإن قيل : كيف يصلح قوله تعالى : (لَوْ أَرادَ اللهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لَاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ) [الزمر : ٤] ، ردا لقول من ادّعى أن له ولدا وإبطالا لذلك ؛ مع أنه كل من نسب إليه ولدا قال إنه اصطفاه من خلقه بجعله ولدا ، فاليهود يدّعون أنه عزير ، والنصارى يدّعون أنه المسيح عليهماالسلام ، وطائفة من مشركي العرب يدّعون أن الملائكة بنات الله تعالى؟
قلنا : هذا إن جعل ردا على اليهود والنصارى كان معناه لاصطفى الولد من الملائكة لا من البشر ؛ لأن الملائكة أشرف من البشر بلا خلاف بين اليهود ولا بين النصارى ، وإن كان ردا على مشركي العرب كان معناه لاصطفى له ولدا من جنس يخلق كل شيء يريده ، ليكون ولدا موصوفا لصفته ، ولم يصطف من الملائكة الذين لا يقدرون على إيجاد جناح بعوضة ولا يرد على هذا خلق عيسى عليهالسلام الطير ؛ لأنه ليس بعام. أو لأن معنى خلقه التقدير من الطين ، ثم الله تعالى يخلقه حيوانا بنفخ عيسى عليهالسلام وإظهارا لمعجزته.
[٩٥٠] فإن قيل : كيف قال تعالى : (خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها) [الزمر : ٦] وخلق حواء من آدم عليهالسلام سابق على خلقنا منه ، فكيف عطفه عليه بكلمة ثم؟
قلنا : ثم هنا للترتيب في الإخبار لا في الإيجاد ، كما تقول لصاحبك أعطيتك اليوم كذا ثم أعطيتك أمس أكثر منه ، أي ثم أخبرك بكذا ، ومنه قول الشاعر :
إنّ من ساد ثمّ ساد أبوه |
|
ثم قد ساد قبل ذلك جدّه |
__________________
[٩٥٠] البيت لأبي نواس (الحسن بن هاني) وهو في ديوانه : ٤٩٣ هكذا :
قل لمن ساد ثم ساد أبوه |
|
قبله ثم قبل ذلك جدّه |