سورة قصة النساء
[١٣٨] فإن قيل : قوله تعالى : (وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها) [النساء : ١] إذا كانت حوّاء مخلوقة من آدم ، ونحن مخلوقون منه أيضا ، تكون نسبة حواء إلى آدم نسبة الولد ؛ لأنها متفرعة منه ، فتكون أختا لنا لا أمّا.
قلنا : قال بعض المفسرين : «من» لبيان الجنس لا للتبعيض ، معناه : وخلق من جنسها زوجها ، كما في قوله تعالى : (لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ) [التوبة : ١٢٨] الثاني : وهو الّذي عليه الجمهور أنّها للتّبعيض ؛ ولكنّ خلق حوّاء من آدم لم يكن بطريق التوليد ، كخلق الأولاد من الآباء ؛ فلا يلزم منه ثبوت البنتية والأختية فيها.
[١٣٩] فإن قيل : كيف قال : (وَآتُوا الْيَتامى أَمْوالَهُمْ) [النساء : ٤] ، واليتيم لا يعطى ماله حتّى يبلغ اتّفاقا؟
قلنا : المراد به إذا بلغوا ؛ وإنّما سمّوا يتامى لقرب عهدهم بالبلوغ ، باعتبار ما كان ، كما تسمّى الناقة عشراء بعد الوضع ، وقد يسمّى البالغ يتيما باعتبار ما كان ، كما يسمّى الحي ميتا والعنب خمرا ، باعتبار ما يكون. قال الله تعالى : (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) [الزمر : ٣٠]. وقال : (إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً) [يوسف : ٣٦]. ومنه قولهم للنّبيّ عليه الصلاة والسلام ، بعد ما نبّأه الله : يتيم أبي طالب.
[١٤٠] فإن قيل : أكل مال اليتيم حرام وحده ، ومع أموال الأوصياء ؛ فلم ورد النهي مخصوصا عن أكله معها ، لقوله تعالى : (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ) [النساء : ٢] أي معها؟
قلنا : لأنّ أكل مال اليتيم ، مع الاستغناء عنه ، أقبح ؛ فلذلك خصّ بالنّهي.
ولأنّهم كانوا يأكلونه ، مع الاستغناء عنه. فجاء النهي على ما وقع منهم.
[١٤١] فإن قيل : لمّا قال : (مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ) [النساء : ٧] ، دخل
__________________
[١٣٩] عشراء : هي من النوق التي مضى لحملها عشرة أشهر أو ثمانية. وتطلق على كل من في بطنها حمل من الحيوان.