سورة الزخرف
[٩٨٥] فإن قيل : كيف قال تعالى : (إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا) [الزخرف : ٣] ولم يقل قلناه أو أنزلناه ، والقرآن ليس بمجعول ، لأن الجعل هو الخلق ، ومنه قوله تعالى : (وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ) [الأنعام : ١] وقوله تعالى : (فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى) [القيامة : ٣٩]؟
قلنا : الجعل أيضا يأتي بمعنى القول ، ومنه قوله تعالى : (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ) [النحل : ٥٧] وقوله تعالى : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً) [إبراهيم : ٣٠] أي قالوا ووصفوا ، لا أنهم خلقوا كذلك هنا.
[٩٨٦] فإن قيل : كيف قال تعالى : (وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا) [الزخرف : ٤٥] والنبي صلىاللهعليهوسلم ما لقيهم حتى يسألهم؟
قلنا : فيه إضمار تقديره : واسأل أتباع من ، أو أمة من أرسلنا من قبلك.
الثاني : أنه مجاز عن النظر في أديانهم والبحث عن مللهم هل فيها ذلك.
الثالث : أن النبي صلىاللهعليهوسلم حشر له الأنبياء عليهمالسلام ليلة المعراج ، فلقيهم وأمّهم في مسجد بيت المقدس ، فلما فرغ من الصلاة نزلت عليه هذه الآية والأنبياء حاضرون ، فقال : لا أسأل قد كفيت ، وقيل إنه خطاب له والمراد به أمته.
[٩٨٧] فإن قيل : كيف قال الله تعالى : (وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها) [الزخرف : ٤٨] يعني الآيات التسع التي جاء بها موسى صلىاللهعليهوسلم ، فإن كان المراد به أن كل واحدة منهن أكبر ممّا سواها لزم أن يكون كل واحدة فاضلة ومفضولة. وإن كان المراد به أن كل واحدة منهن أكبر من أخت معينة لها فأيتها هي الكبرى ، وأيتها هي الصغرى؟
قلنا : المراد بذلك أنهن موصوفات بالكبرى لا يكدن يتفاوتن فيه ، ونظيره بيت الحماسة :
من تلق منهم تقل لاقيت سيّدهم |
|
مثل النجوم التي يسري بها الساري |
__________________
[٩٨٧] البيت من جملة أبيات تنسب لأحد بني أبي بكر بن كلاب ، يقال له : العرندس ، وهو في الحماسة لأبي تمّام : ٢ / ٢٦٨.