سورة الناس
[١٢٣٥] فإن قيل : كيف خصّ الناس بالذّكر ، في قوله تعالى : (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) [الناس : ١] ، وهو ربّ كلّ شيء ومالكه وإلهه؟
قلنا : إنّما خصّهم بالذّكر تشريفا لهم ، وتفضيلا على غيرهم ؛ لأنهم أهل العقل والتمييز.
الثاني : أنّه لمّا أمر بالاستعاذة من شرّهم ذكر مع ذلك أنه ربهم ليعلم أنه هو الذي يعيذ من شرهم.
الثالث : أنّ الاستعاذة وقعت من شر الموسوس إلى الناس بربهم الذي هو إلههم ومعبودهم ، كما يستغيث بعض العبيد إذا اعتراه خطب بسيده ومخدومه وولي أمره.
[١٢٣٦] فإن قيل : هل قوله تعالى : (مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) [الناس : ٦] بيان للذي يوسوس على أن الشيطان الموسوس ضربان جنّي وإنسي ، كما قال تعالى : (شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِ) [الأنعام : ١١٢] أو بيان للناس الذي أضيفت الوسوسة إلى صدورهم ، والناس المذكور آخرا بمعنى الإنس؟
قلنا : قال بعض أئمة التفسير : المراد المعنى الأول ؛ كأنه قال : من شرّ الوسواس الجنّي ، ومن شرّ الوسواس الإنسي ، فهو استعاذة بالله تعالى من شر الموسوسين من الجنسين ، وهو اختيار الزّجّاج ، وفي هذا الوجه إطلاق لفظ الخنّاس على الإنسي ، والنقل أنه اسم للجنّي. وقال بعضهم : المراد المعنى الثاني ، كأنه قال : من شر الوسواس الجنّي الذي يوسوس في صدور الناس ، من جنّهم وإنسهم ؛ فسمى الجنّ ناسا كما سماهم نفرا ورجالا ، في قوله تعالى : (أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِ) [الجن : ١] ، وقوله تعالى : (يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِ) [الجن : ٦]. فهو استعاذة بالله من شر الوسواس الذي يوسوس في صدور الجنّ ، كما يوسوس في صدور الإنس ، وهو اختيار الفرّاء. والمراد من الجنّة هنا ، الشّياطين من الجنّ على الوجه الأوّل ، ومطلق الجنّ على الوجه الثّاني ؛ لأنّ الشيطان منهم هو الذي يوسوس لا غيره ؛ ومطلقهم يوسوس إليه. واختار الزّمخشري الوجه الأول. وقال : ما أحق أن اسم الناس ينطلق على الجنّ ؛ لأنّ الجن سموا جنا لاجتنانهم ، أي لاستتارهم ، والناس سموا أناسا لظهورهم من الإيناس وهو الإبصار ، كما سموا بشرا لظهورهم من البشرة ، ولو صح