سورة الإسراء
[٥٧٢] فإن قيل : كيف قال الله تعالى : (بِعَبْدِهِ) [الإسراء : ١] ، ولم يقل بنبيه أو برسوله أو بحبيبه أو بصفيه ونحو ذلك ، مع أن المقصود من ذلك الإسراء تعظيمه وتبجيله؟
قلنا : إنما سماه عبدا في أرفع مقاماته وأجله وهو هذا ، وقوله : (فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى) [النجم : ١٠] ، كيلا يغلط فيه أمته وتضل به كما ضلت أمة المسيح به فدعته إلها.
وقيل : كيلا يتطرق إليه العجب والكبر.
[٥٧٣] فإن قيل : الإسراء لا يكون إلا بالليل ، فما فائدة ذكر الليل؟
قلنا : فائدته أن ذكر منكرا ليدل على قصر الزمان الذي كان فيه الإسراء والرجوع ، مع أنه كان من مكة إلى بيت المقدس مسيرة أربعين ليلة ، وذلك لأن التنكير يدل على البعضية ، ويؤيده قراءة عبد الله وحذيفة من الليل ، أي بعض الليل كقوله تعالى : (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ) [الإسراء : ٧٩] فإنه أمر بالقيام في بعضه.
[٥٧٤] فإن قيل : أي حكمة في نقله صلىاللهعليهوسلم من مكة إلى بيت المقدس ، ثم العروج به من بيت المقدس إلى السماء ، وهلا عرج به من مكة إلى السماء دفعة واحدة؟
قلنا : لأن بيت المقدس محشر الخلائق ، فأراد الله تعالى أن يطأها قدمه ليسهل على أمته يوم القيامة وقوفهم عليها ببركة أثر قدمه صلىاللهعليهوسلم.
الثاني : أن بيت المقدس مجمع أرواح الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، فأراد الله تعالى أن يشرفهم بزيارته صلىاللهعليهوسلم.
الثالث : أنه أسرى به إلى البيت المقدس ليشاهد من أحواله وصفاته ما يخبر به كفار مكّة صبيحة تلك الليلة ، فيدلهم إخباره بذلك مطابقا لما رأوا وشاهدوا على صدقه في حديث الإسراء.
[٥٧٥] فإن قيل : كيف قال الله تعالى : (بارَكْنا حَوْلَهُ) [الإسراء : ١] ولم يقل باركنا عليه أو باركنا فيه ، مع أن البركة في المسجد تكون أكثر من خارج المسجد وحوله خصوصا المسجد الأقصى؟