سورة الحجر
[٥٢٩] فإن قيل : كيف قالوا : (يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ) [الحجر : ٦] اعترفوا بنبوته ، إذ الذّكر هو القرآن الّذي نزل عليه ، ثم وصفوه بالجنون؟
قلنا : إنّما قالوا ذلك استهزاء وسخرية ، لا تصديقا واعترافا ؛ كما قال فرعون لقومه : (إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ) [الشعراء : ٢٧] وكما قال قوم شعيب ، عليهالسلام : (إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ) [هود : ٨٧] ، ونظائره كثيرة.
الثاني : أنّ فيه إضمارا تقديره : يا أيها الّذي تدّعي أنك نزل عليك الذّكر.
[٥٣٠] فإن قيل : كيف قال تعالى : (وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوارِثُونَ) [الحجر : ٢٣] والوارث هو الّذي يتجدّد له الملك بعد فناء المورث ، والله تعالى إذا مات الخلائق لم يتجدّد له ملك ؛ لأنه لم يزل مالكا للعالم بجميع ما فيه ومن فيه؟
قلنا : الوارث في اللغة عبارة عن الباقي بعد فناء غيره ، سواء تجدّد له من بعده ملك أو لا ؛ ولهذا يصح أن يقال لمن أخبر أنّ زيدا مات وترك ورثة ، هل ترك لهم مالا أو لا؟ فيكون معنى الآية : ونحن الباقون بعد فناء الخلائق.
الثاني : أنّ الخلائق لمّا كانوا يعتقدون أنّهم مالكون يسمون بذلك ، أيضا ، إمّا مجازا أو خلافة عن الله تعالى ، كالعبد المأذون والمكاتب. ويدل عليه قوله تعالى : (تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ) [آل عمران : ٢٦] فإذا مات الخلائق كلهم سلمت الأملاك كلّها لله تعالى عن ذلك القدر من التعلق ، فبهذا الاعتبار كانت الوراثة ، ونظير هذا قوله تعالى : (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ) [غافر : ١٦] والملك له أزلا وأبدا.
[٥٣١] فإن قيل : قوله تعالى : (فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ) [الحجر : ٣٠] دلّ على
__________________
[٥٣١] سيبويه : هو عمر بن عثمان بن قنبر الحارثي بالولاء ، أبو بشر ، لقبه سيبويه. ولد في إحدى قرى شيراز سنة ١٤٨ ه ، واختلف في مكان وفاته وتاريخها ، والمعروف أنّه توفي سنة ١٨٠ ه (!) أقام بالبصرة وأخذ عن الخليل بن أحمد. ثم ، انتقل إلى بغداد وبها جرت مناظرته للكسائي. ألّف الكتاب وبه يعرف.
ـ الخليل : هو الخليل بن أحمد الفراهيدي اليزدي الأحمدي ، أبو عبد الرحمن. إمام اللغة والأدب ، وواضع علم العروض. كان عارفا بالموسيقى. أشهر تلاميذه سيبويه. ولد في البصرة سنة ١٠٠ ه وتوفي بها سنة ١٧٠ ه. كان زاهدا. من مؤلفاته : العين (وهو أشهر ما صنف) ، معاني ـ