سورة الحديد
[١٠٦٩] فإن قيل : كيف قال تعالى : (وَما لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللهِ) [الحديد : ٨] ثم قال سبحانه : (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [الحديد : ٨]؟
قلنا : معناه إن كنتم مؤمنين بموسى وعيسى عليهما الصلاة والسلام ، فإن شريعتهما تقتضي الإيمان بمحمد صلىاللهعليهوسلم.
الثاني : إن كنتم مؤمنين بالميثاق الذي أخذه عليكم يوم أخرجكم من ظهر آدم عليهالسلام.
الثالث : أن معناه ، أي عذر لكم في ترك الإيمان والرسول يدعوكم إليه ويتلو عليكم الكتاب الناطق بالبراهين والحجج ، وقد ركب الله تعالى فيكم العقول ونصب لكم الأدلة ومكنكم من النظر وأزاح عللكم ، فما لكم لا تؤمنون إن كنتم مؤمنين بموجب ما ، فإنّ هذا الموجب لا مزيد عليه.
[١٠٧٠] فإن قيل : كيف قال تعالى : (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ) [الحديد : ١٠] ولم يذكر مع من لا يستوي ، والاستواء لا يتم إلا بذكر اثنين ، كقوله تعالى : (قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ) [المائدة : ١٠٠] (لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ) [الحشر : ٢٠٠]؟
قلنا : هو محذوف تقديره : ومن أنفق وقاتل من بعد الفتح ، وإنّما حذف لدلالة ما بعده عليه.
[١٠٧١] فإن قيل : كيف يقال إن أعلى الدرجات بعد درجة الأنبياء درجة الصديقين ، والله تعالى قد حكم لكل مؤمن بكونه صدّيقا بقوله تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ) [الحديد : ١٩]؟
قلنا : قال ابن مسعود ومجاهد : كل مؤمن صديق.
الثاني : أن الصديق هو كثير الصدق ، وهو الذي كل أقواله وأفعاله وأحواله صدق ، فعلى هذا يكون المراد به بعض المؤمنين لا كلهم. وقد روي عن الضحاك أنها نزلت في ثمانية نفر سبقوا أهل الأرض في زمانهم إلى الإسلام ، وهم أبو بكر وعثمان وعلي وحمزة بن عبد المطلب وطلحة والزبير وسعد وزيد ، وألحق بهم عمر رضي الله عنهم فصاروا تسعة.