[٥٦٣] فإن قيل : لم قالت الأصنام للمشركين (إِنَّكُمْ لَكاذِبُونَ) [النحل : ٨٦] وكانوا صادقين فيما قالوا؟
قلنا : إنما قالت لهم ذلك لتظهر فضيحتهم ، وذلك أن الأصنام كانت جمادا لا تعرف من يعبدها ، فلم تعلم أنهم عبدوها في الدنيا فظهرت فضيحتهم حيث عبدوا من لا يعلم بعبادتهم ، ونظير هذا قوله تعالى : (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا) [النحل : ٨١ ، ٨٢].
[٥٦٤] فإن قيل : قوله تعالى : (وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ) [النحل : ٨٩] فإذا كان القرآن تبيانا لكل شيء من أمور الدين ، فمن أين وقع بين الأمة في أحكام الشريعة هذا الخلاف الطويل العريض؟
قلنا : إنما وقع الخلاف بين الأئمة لأن كل شيء يحتاج إليه من أمور الدين ليس مبينا في القرآن نصا ، بل بعضه مبين وبعضه مستنبط بيانه منه بالنظر والاستدلال ، وطريق النظر والاستدلال مختلفة فلذلك وقع الخلاف.
[٥٦٥] فإن قيل : كثير من أحكام الشريعة لم تعلم من القرآن نصا ولا استنباطا كعدد ركعات الصلاة ، ومقادير باقي الأعضاء ، ومدة السفر والمسح والحيض ، ومقدار حد الشرب ، ونصاب السرقة وما أشبه ذلك مما يطول ذكره؟
قلنا : القرآن تبيان لكل شيء من أمور الدين ؛ لأنه نص على بعضها ، وأحال على السنة في بعضها في قوله تعالى : (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) [الحشر : ٧] وقوله تعالى : (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى) [النجم : ٣] وأحال على الإجماع أيضا بقوله تعالى : (وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ) [النساء : ١١٥] الآية ، وأحال على القياس أيضا بقوله تعالى : (فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ) [الحشر : ٢] والاعتبار النظر والاستدلال ، فهذه أربعة طرق لا يخرج شيء من أحكام الشريعة عنها ، وكلها مذكورة في القرآن فصح كونه تبيانا لكل شيء.
[٥٦٦] فإن قيل : كيف وحّدت القدم ونكّرت في قوله تعالى : (فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِها) [النحل : ٩٤] ولم يقل القدم أو الأقدام ، وهو أشد مناسبة لجمع الإيمان؟
قلنا : وحّدت ونكّرت في قوله تعالى لاستعظام أن تزل قدم واحدة على طريق الجنة فكيف بأقدام كثيرة؟
[٥٦٧] فإن قيل : «من» تتناول الذكر والأنثى لغة ، ويؤيده قوله تعالى : (مَنْ جاءَ
__________________
[٥٦٥] ـ قوله : «وأحال على القياس أيضا ، الخ» لا يخفى ما فيه من ضعف!